عنوان الفتوى : بطلان قصة ابن المقرئ وشكواه الجوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
ما مدى صحة هذه القصة التالية : عن أبي بكر المنقري قال: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكنا على حالة فأثر فينا الجوع، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلت: يا رسول الله الجوع الجوع، وانصرفت، فقال لي الطبراني اجلس، فإما أن يكون الرزق أو الموت، فقمت أنا وأبو الشيخ، فحضر الباب علوي ففتحنا له فإذا معه غلامان بقفتين فيهما شيء كثير، وقال: شكوتموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، رأيته في النوم فأمرني بحمل شيء إليكم " ؟
الحمد لله.
هذه القصة لا يعرف لها إسناد؛ وإنما ذكرها ابن الجوزي في "الوفا بأحوال المصطفى" (2 / 559) بدون إسناد؛ حيث قال:
" عن أبي بكر المقرئ قال: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ في حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم... " ثم ذكر القصة.
وكذا ذكرها الذهبي في "تاريخ الإسلام" (8 / 525) عن أبي بكر ابن المقرئ، ورواها في "سير أعلام النبلاء" (16 / 400)، و"تذكرة الحفاظ" (3 / 121)؛ بصيغة التمريض "رُوِي"، حيث جاء فيهما:
" وروي عن أبي بكر بن أبي علي قال: كان ابن المقرئ يقول: كنت أنا والطبراني وأبو الشيخ بالمدينة، فضاق بنا الوقت، فواصلنا ذلك اليوم، فلما كان وقت العشاء حضرت القبر، وقلت: يا رسول الله؛ الجوع! فقال لي الطبراني: اجلس!..." فذكر القصة.
وهذا لا يعتمد عليه في شيء، لا في إثبات الأحكام، ولا في العقائد من باب أولى.
ثم إن أمارات الكذب على هذه القصة واضحة، من وجوه:
الأول: أن الذي منعهم من الأكل – بحسب الرواية- هو ضيق الوقت، ومع ذلك فالطبراني يقول: الرزق أو الموت! فأي موت يخشى على من انشغل عن الأكل لضيق وقته؟!
ثم في هذا إنكار الطبراني على ابن المقرئ وقوله: "اجلس" : ففيه إنكار الوقوف عند القبر وشكاية الحال عنده.
الثاني: أن قول العلوي: " شكوتموني إلى النبي - صلى الله عليه وسلم" باطل، فلم يشكه أحد، ولم يرد له ذكر في القصة، ولا وجه لشكايته أصلا، وكأن العلوي كان مسئولا عن إطعام الناس حتى لو لم يسألوا الطعام، فكل ذلك حديث خرافة، وعلامة الكذب عليه ظاهرة، وهو من جنس أكاذيب القبورية.
الثالث: من هو هذا العلوي، حتى ينظر في حاله وصدقه؟
وليس كل من رأى النبي صلى الله عليه وسلم يكون قد رآه، حتى يراه على صفته.
فعَنِ أَبي هُرَيْرَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَآنِي فِي المَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي اليَقَظَةِ، وَلاَ يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي رواه البخاري (6993)، ومسلم (2266).
قَالَ البخاري: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: " إِذَا رَآهُ فِي صُورَتِهِ ".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: " كان محمد يعني بن سيرين إذا قص عليه رجل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( صف لي الذي رأيته، فإن وصف له صفة لا يعرفها قال: لم تره ) وسنده صحيح.
ووجدت له ما يؤيده فأخرج الحاكم من طريق عاصم بن كليب حدثني أبي قال: قلت لابن عباس: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام. قال: صفه لي! قال: ذكرت الحسن بن علي فشبهته به، قال: قد رأيته ) وسنده جيد " انتهى من "فتح الباري" (12 / 384).
وراجع للأهمية جواب السؤال رقم : (47782)، ورقم : (23367).
ولا ينبغي الاشتغال بهذه القصص وأمثالها، بل يقال: أثبت العرش، ثم انقش، فإذا لم يكن للقصة إسناد ينظر فيه، فلا قيمة لها.
وإيرادها في التراجم ليس بشيء، فقد جرت عادة المترجمين على حكاية مثل هذا، غير متكلفين رده؛ اكتفاء بإيراده بصيغة التضعيف، أو بالإسناد الناقص أو الكامل الذي يعلم أهل العلم حاله.
وأقوال العلماء- لو ثبتت- يحتج لها، ولا يحتج بها، فكيف إذا لم يعلم ثبوتها.
والله أعلم.