عنوان الفتوى : إطلاقات السنة، وطريقة التمييز بينها

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

تستخدم كلمة السنة في أحوال النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك تستخدم في التفريق بين الفرض والنافلة، فكيف نفرق بين الاستخدامين؟.

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن للسنة عدة إطلاقات، فتطلق على ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مما لم ينص عليه في القرآن الكريم كقوله صلى الله عليه وسلم: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء، فأعلمهم بالسنة... الحديث، أخرجه مسلم.

وتطلق السنة على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم عموما، وعلى طريقة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. أخرجه أحمد والترمذي، وصححه.

قال الشاطبي: يطلق لفظ: السنة ـ على ما جاء منقولا عن النبي صلى الله عليه وسلم على الخصوص، مما لم ينص عليه في الكتاب العزيز، بل إنما نص عليه من جهته عليه الصلاة والسلام، كان بيانا لما في الكتاب أو لا، ويطلق أيضا في مقابلة البدعة، فيقال: فلان على سنة، إذا عمل على وفق ما عمل عليه النبي صلى الله عليه وسلم كان ذلك مما نص عليه في الكتاب أو لا، ويقال: فلان على بدعة، إذا عمل على خلاف ذلك، وكأن هذا الإطلاق إنما اعتبر فيه عمل صاحب الشريعة، فأطلق عليه لفظ السنة من تلك الجهة، وإن كان العمل بمقتضى الكتاب، ويطلق أيضا لفظ السنة على ما عمل عليه الصحابة، وجد ذلك في الكتاب أو السنة أو لم يوجد، لكونه اتباعا لسنة ثبتت عندهم لم تنقل إلينا، أو اجتهادا مجتمعا عليه منهم أو من خلفائهم، فإن إجماعهم إجماع، وعمل خلفائهم راجع أيضا إلى حقيقة الإجماع من جهة حمل الناس عليه حسبما اقتضاه النظر المصلحي عندهم، ويدل على هذا الإطلاق قوله, عليه الصلاة والسلام: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين. اهـ باختصار من الموافقات.

وتطلق السنة عند بعض المتأخرين من أهل الحديث على الاعتقاد الصحيح السالم من الشبهات المضلة، قال ابن رجبثم صار في عرف كثير من العلماء المتأخرين من أهل الحديث وغيرهم السنة عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك مسائل القدر وفضائل الصحابة وصنفوا في هذا العلم تصانيف سموها كتب السنة، وإنما خصوا هذا العلم باسم السنة، لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة. اهـ.

وتطلق السنة عند الفقهاء المتأخرين ويراد بها ما يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه، قال الزركشي: وتطلق على الواجب وغيره في عرف اللغويين والمحدثين، وأما في عرف الفقهاء: فإنما يطلقونها على ما ليس بواجب، وأطلقها بعض الأصوليين هنا على الواجب، والمندوب، والمباح. اهـ.

لكن ينتبه إلى أن هذا الاصطلاح الأخير حادث، ولا يصح أن تحمل عليه السنة الواردة في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن القيم: فليست الفطرة بمرادفة للسنة، ولا السنة في لفظ النبي صلى الله عليه وسلم هي المقابلة للواجب، بل ذلك اصطلاح وضعي لا يحمل عليه كلام الشارع. اهـ.

وقال أيضا: فالسنة هي الطريقة المتبعة وجوبا واستحبابا، لقوله صلى الله عليه وسلم: من رغب عن سنتي فليس مني ـ وقوله: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي ـ وقال ابن عباس: من خالف السنة كفر ـ وتخصيص السنة بما يجوز تركه اصطلاح حادث، وإلا فالسنة ما سنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته من واجب ومستحب، فالسنة هي الطريقة وهي الشريعة والمنهاج والسبيل. اهـ.

وطريقة التمييز بين إطلاقات السنة: هو النظر إلى صاحب اللفظة والمتكلم بها، فإن كان لفظة السنة واردة مثلا في حديث نبوي، فلا تحمل على معنى المندوب، لأن هذا اصطلاح حادث للفقهاء، وليس هو معنى السنة في لسان الشرع، ومن طرق التمييز كذلك: النظر إلى السياق الذي استعملت فيه كلمة السنة، فإذا تكلم فقيه -مثلا- عن الواجبات وما يقابلها من السنن، فإن السنة يراد بها حينئذ المستحب والمندوب، وهكذا.

والله أعلم.