عنوان الفتوى : الأدلة العقلية على أن جبريل كان رسولا ملكيا
ربما سؤالي ليس له علاقة بهذا الموقع، لكن أود مساعدتكم، في أحد مواقع الشات (paltalk) في القسم الإسلامي كانت فتاة أمريكية على ما أعتقد تتحدث عن الدين وعن جبريل والرسول صلى الله عليه وسلم وتقول كيف تعرفون أنتم المسلمين أن جبريل هو فعلا ملك، ربما يكون جني على هذه الهيئة وكانت تحاول بشتى الطرق التشكيك أو تخطئنا في صحة أشياء كثيرة، وكان يوجد شخص عربي يناقشها ولكن كيف كانت مناقشته لها، وهذا إذا كنا نستطيع القول بأنها مناقشة ، كان يسبها فقط ويسب الشعب الأمريكي بدلا من إقناعها، فردت عليه بالكلمه (بدلاً من أن تسبني ناقشني، أقنعني) وكان موقفا محرجا بالنسبة لنا نحن العرب فهكذا طريقتهم دائما بدلا من التفاهم والإقناع، أنا أطلب منكم الآن رداً عليها، ماذا أستطيع أن أقول عندما يواجهني هذا الموقف كيف أقنعها( بآية أو حديث) وهم لا يعرفون هذه الأشياء!!؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فهذه الحوارات التي تدور بين المسلمين وغيرهم، ينبغي أن يقوم بها من لديه العلم والمعرفة والحكمة والأسلوب الحسن، فذلك ما أمرنا الله تعالى به في قوله: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [النحل:125]. وما ذكرت من تشكيك هذه المحاوِرَة في أمر جبريل عليه السلام يجاب عنه من ثلاثة أوجه: الأول: أن الإيمان بالملائكة ونزولهم بالوحي والتأييد لأنبياء الله ورسله أمر متفق عليه بين أتباع الرسالات السماوية، وهو جزء من الإيمان بالغيب الذي لم نطلع عليه ولم نشاهده، وإنما نؤمن به ونصدقه اتباعاً لخبر الرسول الصادق المعصوم، فالإيمان بنزول جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم أو على غيره من الأنبياء، فرع من الإيمان بالرسول الموحى إليه، وقد ثبتت نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بالأدلة القطعية التي لا تدع مجالا للشك، ومنها ما أيده الله به من المعجزات الباهرة، التي لا يزال يظهر للمسلمين صدقها إلى اليوم، كالإخبار بالمغيبات والعلوم والحقائق التي لم تكتشف إلا في هذه الأزمنة المتأخرة، مع بقاء المعجزة العظيمة وهي القرآن الكريم ، فمن آمن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، لزمه ضرورة تصديقه في الإخبار بنزول الملك إليه، واعتقاد عصمته من أن تضله الشياطين. الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلقى عن جبريل من الهدى والنور والآيات ما يستحيل أن يأتي به الشيطان أو يرضى به أو يدعو إليه. وكيف يتصور عاقل أن الشيطان يدعو الناس إلى الإيمان بالله وتوحيده، ويحثهم على الصلاة والزكاة والصيام وصلة الأرحام، والتحذير من سفك الدماء وارتكاب الفواحش، وما لا يحصى من الفضائل وأبواب الخير. بل كيف يتصور عاقل أن يأتي الشيطان بوحي يتضمن لعن الشيطان وطرده والكفر به والتحذير من اتباعه!! وقد قال الله تعالى عن هذا القرآن العظيم الذي نزل به جبريل عليه السلام: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء]. وقال بعدها: وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ* وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [الشعراء:210-211]. فتأمل قول الله تعالى: وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ فمحال أن يأتي الشيطان بمثل هذا القرآن، أو بسورة من مثله، ولو أمكن الشيطان ذلك لأعان الكفار على التحدي، ولأثبت بطلان الإسلام. فلقد أمر الله نبيه الصادق أن يتحدى أفصح العرب، بل إن التحدي قائم إلى اليوم وإلى قيام الساعة، أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، فأعلنوا عجزهم ويأسهم من ذلك، في وقت كانوا فيه يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم، ويبذلون أموالهم ومهجهم في سبيل الصد عن سبيل الله، ولو كان الشيطان هو المنزل بهذا القرآن الموحى به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، لتفضل على الكافرين بسورة واحدة، في ذلك الزمن، أو لأوحى بها إلى هؤلاء المعاندين للإسلام اليوم، العاجزين عن معارضة القرآن في أسلوبه المعجز الدال على أنه ليس من كلام البشر. قال الله تعالى: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الاسراء:88]. فنحن نقول لهذه الفتاة التي غرها الشيطان، لقد عجز شياطين الإنس والجن على مدى خمسة عشر قرنا أن يأتوا بسورة من مثل القرآن، فكيف يقال: إن القرآن كلام أتى به الشيطان؟! الثالث: أن هذا التشكيك في جبريل عليه السلام يتضمن القدح في جميع الأنبياء، لا في محمد صلى الله علي وسلم وحده، إذ للملحد أن يقول إن الملك الذي كان ينزل على موسى أو عيسى أو غيرهما كان شيطاناً، ولن يكون أمام اليهودي أو النصراني أن يرد ذلك إلا بالاعتماد على ثبوت النبوة أولاً، وعلى ما جاء به النبي من الخير الذي لا يتصور أن يدعو إليه شيطان! ثانياً، ويتميز المسلم بحجة أخرى دامغة، وهي ما سبق ذكره من قيام التحدي وبقائه واستمراره، وعجز الجميع عن الإتيان بمثل هذا الوحي العظيم. وننبه على أن الحوار مع الكافر لا ينبغي أن يبدأ من هذه النقطة التي هي فرع عن غيرها، بل ينبغي أن يتوجه الحوار أولاً إلى إثبات الأصل، وهو الإيمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.