عنوان الفتوى : حكم عمل مظلات للسيارات في الشارع
ما حكم وضع مظلات للسيارات في الشارع؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الأصل أن الطرق العامة لا يجوز لأحد أن يستحدث فيها بنيانًا -أو ما في حكمه كتركيب مظلات السيارات- ولو لم يكن في ذلك ضرر بالناس؛ إذ الطرق العامة حق للناس جميعهم.
قال ابن قدامة: وما كان من الشوارع والطرقات والرحاب بين العمران، فليس لأحد إحياؤه، سواء كان واسعًا أو ضيقًا، وسواء ضيق على الناس بذلك أو لم يضيق؛ لأن ذلك يشترك فيه المسلمون، وتتعلق به مصلحتهم، فأشبه مساجدهم. ويجوز الارتفاق بالقعود في الواسع من ذلك للبيع والشراء، على وجه لا يضيق على أحد، ولا يضر بالمارة؛ لاتفاق أهل الأمصار في جميع الأعصار على إقرار الناس على ذلك، من غير إنكار، ولأنه ارتفاق مباح من غير إضرار، فلم يمنع منه، كالاجتياز، وله أن يظلل على نفسه، بما لا ضرر فيه، من بارية، وتابوت، وكساء، ونحوه؛ لأن الحاجة تدعو إليه من غير مضرة فيه. وليس له البناء لا دكة ولا غيرها؛ لأنه يضيق على الناس، ويعثر به المارة بالليل، والضرير في الليل والنهار، ويبقى على الدوام، فربما ادعى ملكه بسبب ذلك وإن قعد وأطال، منع من ذلك؛ لأنه يصير كالمتملك، ويختص بنفع يساويه غيره في استحقاقه. ويحتمل أن لا يزال؛ لأنه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم، وإن كان الجالس يضيق على المارة، لم يحل له الجلوس فيه، ولا يحل للإمام تمكينه بعوض، ولا غيره. اهـ. باختصار.
لكن هل يجوز تركيب المظلات في الطرق العامة بإذن الجهات المسؤولة إن لم يكن فيه إضرار بالناس؟ يرى بعض العلماء جواز إخراج الشخص من ملكه في هواء الطرق العامة بإذن الإمام، إن لم يضر بالناس؛ جاء في الشرح الممتع لابن عثيمين: قوله: «لا إخراج روشن وساباط ودكة وميزاب» أي: لا يجوز إخراج الروشن، والساباط، والدكة، والميزاب في الدروب النافذة.
و«الروشن» هو: أن يجعل سقفًا لا يتصل بالجدار الآخر.
و«الساباط»: أن يجعل سقفًا يتصل بالجدار الآخر.
فلا يجوز أن يخرج على الشارع العام شيئًا زائدًا عن ملكه. ووجه ذلك أن الهواء تابع للقرار، وهذا الطريق ملك لعامة الناس، فلا يجوز أن تخرج شيئًا يكون على هواء هذا الطريق.
وكذلك الساباط، لو كان الإنسان له -مثلًا- بيتان، يفصل بينهما طريق نافذ، فأراد أن يجعل جسرًا بين البيتين فإنه ليس له ذلك؛ لأن الهواء تابع للقرار، والشارع ملك لعامة الناس لا يختص به أحد دون آخر.
وظاهر كلام المؤلف -رحمه الله- سواء كان في ذلك ضرر أم لم يكن، بل ظاهر كلامه حتى ولو كان في ذلك مصلحة لمن طرق هذا الشارع، مثل أن يكون ظلًّا يقي من الشمس ومن المطر، فإنه ليس له ذلك.
والصحيح: أنه لا بأس أن يُخْرِجَ ما جرت به العادة، مما لا يضر الناس، وبإذن الإمام، فإن كان مما يضرهم فإنه لا يجوز حتى لو أذن من له الولاية على البلد، كرئيس البلدية -مثلًا-، فلو أذن له أن يخرج هذا الساباط أو الروشن وهو يضر بالناس فإنه ليس له أن يفعله، فإن أخرجه وكان نازلًا بحيث يضرب الراكب أو ما أشبه ذلك فإنه ممنوع. اهـ.
وراجع الفتوى رقم: 170273.
والله أعلم.