عنوان الفتوى : حكم إقامة حلقة لتعليم القرآن في المسجد قبل خطبة الجمعة
يقوم بعض الخطباء بتعليم القرآن قبل خطبة الجمعة بعشر دقائق، يقرأ ويردد الحاضرون خلفه، فما حكم ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فلا شك أن تعليم القرآن من أفضل العبادات؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. رواه البخاري. ولكن فعله قبل الجمعة بحيث يكون بصوت مرتفع ربما يوقع في بعض المنهيات، فمن ذلك: رفع الصوت بما يؤدي للتشويش على المصلين أو التالين، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته أن يجهر بعضهم على بعض بالقرآن؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ: «أَلاَ إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ؛ فَلاَ يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلاَ يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ».
ومن ذلك أيضًا: أن أهل العلم كرهوا التحلق في المسجد يوم الجمعة قبل الصلاة؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى أَنْ يُحَلَّقَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ. رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
قيل: يكره قبل الصَّلَاة الِاجْتِمَاع للْعلم والمذاكرة ليشتغل بِالصَّلَاةِ وينصت للخطبة الذّكر، فَإِذا فرغ مِنْهَا كَانَ الِاجْتِمَاع والتحلق بعد ذَلِك. وَقيل: النَّهْي عَن التحلق إِذا عَم الْمَسْجِد. وَقيل: نهى عَنهُ لِأَنَّهُ يقطع الصُّفُوف، وهم مأمورون بتراص الصُّفُوف.
قال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى- فيمن يقيم درسًا عامًّا قبل الجمعة: إذا كان عامًّا مثل أن يكون الدرس في مكبر الصوت عامًّا على جميع الحاضرين فإن هذا منكر وبدعة. أما كونه منكرًا؛ فلأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنكر على أصحابه حين كانوا يصلون أوزاعًا فيجهرون بالقراءة، فقال عليه الصلاة والسلام: كلكم يناجي ربه فلا يؤذين بعضكم بعضًا بالقراءة. لأنه إذا رفع صوته شوش على الآخرين، فهذا وجه كونه منكرًا. فإن هذا الذي يحدث الناس بمكبر الصوت يوم الجمعة يؤذي الناس؛ لأن من الناس من يحب أن يقرأ القرآن، ومن الناس من يحب أن يتنفل بالصلاة، ومن الناس من يحب أن يفرغ نفسه للتسبيح والتهليل والتكبير، وليس كل الناس يرغبون أن يستمعوا إلى هذا المتحدث، فيكون في هذا إيذاء لهم. ومن أجل هذا أنكر النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- على أصحابه الذين يجهر بعضهم على بعض.
وأما كونه بدعة؛ فلأن هذا لم يحدث في عهد النبي -صلى الله عليه وعلى آله وسلم-، وهو صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على تبليغ الرسالة، ولم يحصل، وذلك لأنه سوف يحصل للناس التذكير والموعظة في الخطبة المشروعة التي ستكون عند حضور الإمام. اهـ.
والله تعالى أعلم.