عنوان الفتوى : هل يجب قتل الحيوانات التي أمرنا بقتلها بمجرد رؤيتها، أم مع وجود الأذى؟
هل الجماد، والحيوانات منها مؤمن وكافر؟ وهل يجب قتل الحيوانات التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها بمجرد رؤيتها؟ أم إن كانت ستؤذيني فقط؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الدواب، والجمادات لا توصف بالإسلام، ولا بالكفر كما قدمنا في الفتوى رقم: 53336.
وأما عن قتل الدواب فقد ورد الترغيب بالبدار في قتل الوزغ، كما في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن جرير: من قتل وزغًا في أول ضربة كتبت له مائة حسنة، وفي الثانية دون ذلك، وفي الثالثة دون ذلك.
وفي رواية: ...فله كذا وكذا حسنة، ومن قتلها في الضربة الثانية، فله كذا وكذا حسنة لدون الأولى، وإن قتلها في الضربة الثالثة، فله كذا وكذا حسنة لدون الثانية. وهو مروي عن الترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وغيرهم.
وفي شرح النووي على مسلم (14/ 236): وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله، وحث عليه، ورغب فيه لكونه من المؤذيات، وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة، ثم ما يليها، فالمقصود به الحث على المبادرة بقتله، والاعتناء به، وتحريش قاتله على أن يقتله بأول ضربة، فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت، وفات قتله... اهـ
وقال ابن عبد السلام في قواعده: وقد جعل لمن قتل الوزغ بضربة واحدة مائة حسنة, ولمن قتله بضربتين سبعين حسنة؛ لما في الضربة الواحدة من المسارعة إلى إزهاق روحه، ودفع ضرره، وإحسان قتلته.
وأما باقي الحشرات، والدواب، فما كان من طبيعته الأذى، كالفأر، والعقرب، فيستحب المبادرة إلى قتله، ولو لم يؤذ بالفعل، عند الشافعية، والحنابلة كما سيأتي، فقد جاء في الموسوعة الفقهية:
قتل الحشرات ليس مأمورًا به مطلقًا، ولا منهيًا عنه مطلقًا, فقد ندب الشارع إلى قتل بعض الحشرات, كما أنه نهى عن قتل بعضها أيضًا.
من المندوب قتله من الحشرات الحية؛ لما روت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية, والغراب الأبقع, والفأرة, والكلب العقور, والحديا}، وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يقول: {اقتلوا الحيات، واقتلوا ذا الطفيتين، والأبتر, فإنهما يطمسان البصر, ويستسقطان الحبل}، قال عبد الله: فبينا أنا أطارد حية لأقتلها, فناداني أبو لبابة: لا تقتلها, فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتل الحيات, فقال: إنه نهى بعد ذلك عن ذوات البيوت, وهي العوامر}، من أجل ذلك فرق الفقهاء -غير الحنفية- بين حيات البيوت وغيرها, فحيات غير العمران تقتل مطلقًا من غير إنذار لبقائها على الأمر بقتلها, وأما حيات البيوت فتنذر قبل قتلها ثلاثاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: {إن لبيوتكم عمارًا، فحرجوا عليهن ثلاثًا, فإن بدا لكم بعد ذلك منهن شيء، فاقتلوه} ولم يفرق الحنفية بينهما, قال الطحاوي: لا بأس بقتل الكل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم عاهد الجن أن لا يدخلوا بيوت أمته, ولا يظهروا أنفسهم, فإذا خالفوا فقد نقضوا عهدهم، فلا حرمة لهم، ومع ذلك فالأولى عندهم الإمساك عما فيه علامة الجان، لا للحرمة, بل لدفع الضرر المتوهم من جهتهم... ويستحب كذلك قتل الوزغ، ولو لم يحصل منه أذية؛ لما روى سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم {أمر بقتل الوزغ، وسماه فويسقًا}، وعن {أم شريك أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها بقتل الأوزاغ}، ومن المستحب قتله كذلك الفأر لحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: {أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرم: الغراب, والحدأة, والعقرب, والفأرة, والكلب العقور} ومن حيث العموم يستحب قتل كل ما فيه أذى من الحشرات، كالعقرب, والبرغوث, والزنبور, والبق، وذهب المالكية إلى الجواز لقول النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سئل عن حشرات الأرض تؤذي أحدًا، فقال: ما يؤذيك فلك إذايته قبل أن يؤذيك}...
قد ذهب الحنفية، والمالكية إلى جواز قتل الحشرات, لكن المالكية شرطوا لجواز قتل الحشرات المؤذية أن يقصد القاتل بالقتل دفع الإيذاء، لا العبث, وإلا منع حتى الفواسق الخمس التي يباح قتلها في الحل والحرم.
وقسم الشافعية الحشرات إلى ثلاثة أقسام: الأول: ما هو مؤذ منها طبعًا, فيندب قتله، كالفواسق الخمس؛ لحديث عائشة قالت: {أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة, والغراب, والفأرة, والعقرب, والكلب العقور} وألحق بها البرغوث، والبق، والزنبور, وكل مؤذ...
وذهب الحنابلة إلى استحباب قتل كل ما كان طبعه الأذى من الحشرات, وإن لم يوجد منه أذى قياسًا على الفواسق الخمس, فيستحب عندهم قتل الحشرات المؤذية، كالحية, والعقرب, والزنبور, والبق, والبعوض, والبراغيث, وأما ما لا يؤذي بطبعه، كالديدان, فقيل: يجوز قتله, وقيل: يكره, وقيل: يحرم. وقد نصوا على كراهة قتل النمل إلا من أذية شديدة, فإنه يجوز قتلهن, وكذا القمل... اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 69775.
والله أعلم.