عنوان الفتوى : هل صح نفي أكل النبی صلى الله علیه وسلم للجراد؟
ما القول الراجح فی أكل النبی صلى الله علیه وسلم للجراد ؟ وكیف نجمع ما جاء فی " صحیح مسلم" أن الصحابة أكلوه معه وأنه عافاه فی روایات أخرى؟
الحمد لله
قد ثبت أن الصحابة رضوان الله عليهم أكلوا الجراد مع النبي صلى الله عليه وسلم.
عن ابْن أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: "غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا، كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ " رواه البخاري (5495) ، ومسلم (1952)، واللفظ للبخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" قوله: ( كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ الجَرَادَ ) : يحتمل أن يريد بالمعية مجرد الغزو ، دون ما تبعه من أكل الجراد، ويحتمل أن يريد مع أكله " انتهى من "فتح الباري" (9 / 621).
وذهب بعض العلماء إلى أن جملة: ( كُنَّا نَأْكُلُ مَعَهُ ) ظاهرة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أكله معهم، فهو الذي يقتضيه تكرار لفظة (مع).
قال الطيبي رحمه الله تعالى:
" التأويل بأنهم: أكلوه وهم معه، تأويل بعيد؛ لأن المعية تقتضي المشاركة في الفعل، كما في قوله: ( غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )، وقد صرح به صاحب الكشاف... " انتهى من "شرح المشكاة" (9 / 2820).
والحديث الذي يذكر فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكله: حديث ضعيف، منقطع.
فعن ابْن الزِّبْرِقَانِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ، قَالَ: " سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْجَرَادِ؟ فَقَالَ: (أَكْثَرُ جُنُودِ اللَّهِ ، لَا آكُلُهُ ، وَلَا أُحَرِّمُهُ ) .
رواه أبو داود (3813)، وقال : " رَوَاهُ الْمُعْتَمِرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ سَلْمَانَ ".
ورواه أبو داود أيضا (3814) ، وابن ماجه (3219) موصولا أيضا ، من رواية زَكَرِيَّا بْن يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ، عن أَبِي الْعَوَّامِ الْجَزَّارِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ ، فَقَالَ، مِثْلَهُ " .
وقَالَ أَبُو دَاوُدَ : " رَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْعَوَّامِ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَذْكُرْ سَلْمَانَ" .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى:
" وأبو العوام هذا: اسمه فائد بن كيسان، ليس بالمشهور، قال الذهبي : " ما علمت فيه جرحا، بل وثقه ابن حبان ".
وجملة القول: أن هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله على أبي عثمان، فأرسله سليمان التيمي عنه ، في رواية ثقتين عنه ، هما : الأنصاري والمعتمر بن سليمان.
وخالفهما محمد بن الزبرقان فرواه عنه موصولا.
ومما لا ريب فيه أن روايته مرجوحة، لأنه فرد، ولاسيما وقد قيل فيه: إنه قد يخطىء.
فيتحصل من ذلك: أن المحفوظ عن سليمان التيمي مرسل. وخالف التيمي أبو العوام فوصله. وروايته مرجوحة أيضا، لأنه غير مشهور كما ذكرنا، فلا يقرن مع التيمي ليفاضل بينهما!
والخلاصة: أن الحديث ضعيف لإرساله. والله أعلم " انتهى من "السلسلة الضعيفة" (4 / 43).
وقال ابن ابي حاتم رحمه الله تعالى:
" سألت أَبي عن حديث رواه فائد أبو العوّام، عن أبي عثمان، عن سلمان، عن النبيّ في الجراد، قال: ( أَكْثَرُ جُنُودِ اللهِ، لاَ أُحِلُّهُ، وَلا أُحَرِّمُهُ ).
قال أبي: هذا خطأ، الصّحيح: مرسل؛ ليس فيه سلمان " انتهى من "العلل" (4 / 373 - 374).
وكذا قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (9 / 622) : إنه مرسل .
والمرسل من أنواع الحديث الضعيف، وأهل العلم لا يقبلونه إلا إذا ورد ما يعضّده ويقويه .
وقد رُوِي أيضا عن ابن عمر نحو هذا؛ كما عند ابن عدي في "الكامل" (2 / 296)، قال:
" حدثنا محمد بن الحسن بن شهريار، حدثنا بشر بن معاذ، حدثنا ثابت بن زهير، سمعت نافعا يحدث عن ابن عمر قال: " كنتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسلَّمَ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ عَنِ الضَّبِّ؟:
فَقَال: ( لَسْتُ بِآكِلِهُ، ولاَ مُحَرِّمِهُ، قَالَ: وَالْجَرَادُ مثل ذلك ).
قال: وحدثنا ثابت، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، مثل ما قال ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضب.
قال ابن عدي: وهذا الحديث في الضب حديث نافع، عن ابن عمر مشهور، وإنما الغريب فيه قوله: ( والجراد مثل ذلك ) وعن هشام، عن أبيه عن عائشة ليس يرويهما غير ثابت " انتهى.
وثابت بن زهير هذا ضعيف الحديث ، كما بيّن ذلك ابن عدي ، "الكامل" (2 / 295).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:
" وهذا ليس ثابتا؛ لأن ثابتا قال فيه النسائي: ليس بثقة " انتهى من "فتح الباري" (9 / 622).
وقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقد روى الحافظ ابن عساكر في جزء جمعه في الجراد، من حديث أبي سعيد الحسن بن علي العدوي، حدثنا نصر بن يحيى بن سعيد، حدثنا يحيى بن خالد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الجراد، ولا الكلوتين، ولا الضب، من غير أن يحرمها. أما الجراد: فرجز وعذاب. وأما الكلوتان : فلقربهما من البول. وأما الضب فقال: أتخوف أن يكون مسخا ).
ثم قال: غريب، لم أكتبه إلا من هذا الوجه " انتهى من "تفسير ابن كثير" (3 / 462).
وهذا حديث ضعيف جدا، ففي إسناده أبو سعيد الحسن بن علي العدوي، وهو متروك الحديث متهم بالكذب.
ففي "سؤالات حمزة بن يوسف السهمي" (ص 200):
" وسألت الدارقطني عن الحسن بن علي العدوي؟
فقال: كتب وسمع، ولكنه وضع أسانيد ومتونا " انتهى.
وقال ابن عدي رحمه الله تعالى:
" يضع الحديث، ويسرق الحديث ويلزقه على قوم آخرين، ويحدث عن قوم لا يعرفون، وهو متهم فيهم؛ فإن الله لم يخلقهم " انتهى من"الكامل" (3 / 195).
وضعف هذا الحديث الألباني في "ضعيف الجامع الصغير" (4492).
فالحاصل؛ أنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك أكل الجراد.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |