عنوان الفتوى : لماذا لم يُهدَم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟
أحد المبتدعة يسأل ويقول: "إن أهل السنة يقولون: يجب هدم قبور أئمتنا وقبورنا العادية، وهم لا يهدمون قبر الرسول!". فما الجواب -جزاكم الله كل الخير-؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ومن والاه، أما بعد:
فاعلم أولًا أن هدم ما زاد عن الحد الشرعي من القبور جاءت به السنة الصحيحة الصريحة؛ فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج الأسدي قال: قال لي علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أدع تمثالًا إلا طمسته، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته. رواه مسلم.
قال الإمام الشوكاني -يرحمه الله-: وفي هذا أعظم دلالة على أن تسوية كل قبر مشرف، بحيث يرتفع زيادة على القدر المشروع، واجبة متحتمة ... اهـ.
وأما قول ذلك المبتدع: لماذا يقال بهدم قبور أئمتهم، ولا يقال بهدم قبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقد ثبت عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قوله-: اللَّهُمَّ لاَ تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا ... رواه أحمد، ومالك، وغيرهما.
ومن المعلوم أن الله تعالى قد استجاب لنبيه صلى الله عليه وسلم هذا الدعاء؛ فصان قبره أن يُعبدَ من دون الله، فلا يُفْعَلُ عنده ما يفعله المشركون بقبور أئمتهم، فلم يرفع قبر النبي صلى الله عليه وسلم عاليًا، بل رُفِعَ عن الأرض نحوًا من شبر، كما في صحيح ابن حبان عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُلْحِدَ، وَنُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ نَصَبًا، وَرُفِعَ قَبْرُهُ مِنَ الْأَرْضِ نَحْوًا مِنْ شِبْرٍ.. وجعل مسنمًا كما في البخاري عن سُفْيَانَ التَّمَّارِ: أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا ... ثم أحِيطَ القبر الشريف بثلاثة جدران عالية حتى لا تصل إليه أيدي المولعين بعبادة القبور؛ قال القرطبي في كتابه المفهم: ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة بقبره صلى الله عليه وسلم، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة؛ إذ كان مستقبل المصلين، فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلثة من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره. اهـ.
وأما المشركون المنتسبون لهذه الأمة زورًا: فقد عكفوا على قبور أئمتهم يدعونها من دون الله تعالى، ويستغيثون بها في كشف الضر، ويطلبون منها الرزق، والولد، والنصر، والمدد، ويبنون عليها الأبنية العظيمة التي كأنها القلاع، والحصون الكبيرة، والتي تستحق الهدم على رؤوس عابديها، وفعلوا عندها ما كان يفعله عبدة اللات، والعزى، ومناة الثالثة الأخرى، وقد أحسن الأمير الصنعاني -رحمه الله تعالى- في وصف حالهم حين قال:
أعادوا بها معنى سُوَاعَ ومثلِه ... يغوثَ وَوَدٍّ بئس ذلك من ودِّ.
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها ... كما يهتف المضطرُّ بالصمدِ الفردِ.
وكم عقروا في سَوْحِها من عقيرة ... أُهِلَّتْ لغير الله جهرا على عمدِ.
وكم طائفٍ حول القبور مُقَبِّلٍ ... ومستلمِ الأركانِ منهُن بالأيدي.
فأيها الذي يستحق الهدم: أهذه القبور التي عُبِدتْ من دون الله أم القبر الذي صانه الله عن ذلك؟!
والله تعالى أعلم.