عنوان الفتوى : حكم الوقف على النفس وتفضيل بعض الأولاد على بعض فيه

مدة قراءة السؤال : دقيقتان

حبس ووقف عقار ، حبسا إبتداء على أنفسهما ينتفعان به مدة بقائهما في الحياة ، فإن ماتا فترجع على أولادهما الذكور الموجودين ، ومن سيوجد إن قدر الله به من ذكر والأنثى ، إلا متأيمة ، ويتيمة ، ومتهجلة ، وأما الحافد لا مدخل له ، عليهما وعلى عاقبهما ما تناسوا ، وتسلسلوا ، وامتدت فروعهم في الإسلام طبقة بعد طبقة ، الذكر من كل طبقة ، فإن مات أحدهم عن غير عقب فيه لمن عداه فمن هو في درجته ، ولا تدخل الطبقة السفلى مع وجود العليا ، ولا الأبناء مع وجود الآباء ، مقلدا في ذلك الإمام النعمان ، وهو أبو حنيفة رضي الله عنه ، المتقدم سنا على المذاهب ، وبعض أئمة مذهبه الإمام مالك ، وهو ابن شعبان رضي الله عنه ، وهؤلاء المحبسين بحال صحتهما ، وطوعهما ، ورشدهما ورضيا بأنفسهم ، فإن انقرضوا عن آخرهم وأتى الحمام على وضيعهم ورفيعهم ، فترجع حبسا لأقاربهم من جهة الأب ، فإن انقرض أقاربهم فترجع حبسا على مكة والمدينة شرفها الله ، وعلى ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، تصرف غلته فيما يصرف فيه جملة الأحباس . هل هذا الوقف (الحبس) صحيح (مستوفي الشروط ) ، ويمكن العمل به أم لا ؟

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله.

الوقف المذكور وقف صحيح، يمكن العمل به. وقد تضمن ما يلي:

أولا:

الوقف على النفس. وهذا في قوله: "حبسا ابتداء على أنفسهما ينتفعان به مدة بقائهما في الحياة".

والوقف على النفس جائز، في قول جماعة من الفقهاء، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن أحمد، اختارها جماعة من الحنابلة كشيخ الإسلام ابن تيمية والمرداوي.

قال المرداوي رحمه الله: " قوله (ولا يصح على نفسه في إحدى الروايتين). وهو المذهب. وعليه أكثر الأصحاب ...

والرواية الثانية: يصح. نص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم، ويوسف بن أبي موسى، والفضل بن زياد. قال في المذهب، ومسبوك الذهب: صح في ظاهر المذهب. قال الحارثي: هذا هو الصحيح. قال أبو المعالي في النهاية، والخلاصة: يصح على الأصح. قال الناظم: يجوز على المنصور من نص الإمام أحمد - رحمه الله -. وصححه في التصحيح، وإدراك الغاية. قال في الفائق: وهو المختار. واختاره الشيخ تقي الدين - رحمه الله -. ومال إليه صاحب التلخيص".

ثم قال: " قلت: وهذه الرواية عليها العمل في زماننا وقبله، عند حكامنا، من أزمنة متطاولة. وهو الصواب. وفيه مصلحة عظيمة. وترغيب في فعل الخير. وهو من محاسن المذهب" انتهى من "الإنصاف" (7/ 16).

وينظر: "الموسوعة الفقهية" (44/ 143).

ثانيا:

تخصيص بعض الأولاد بالوقف دون بعض، ومنه إعطاء الذكور دون الإناث، أو إعطاء المتأيمة واليتيمة والمتجالة دون بقية الإناث، وهذا جائز عند الحنفية، بل وسائر الفقهاء، لكن يكره إن كان لغير مسوغ.

قال ابن قدامة رحمه الله: "إذا فضل بعضهم على بعض، فهو على ما قال، فلو قال: وقفت على أولادي، وأولاد أولادي، على أن للذكر سهمين، وللأنثى سهما، أو للذكر مثل حظ الأنثيين، أو على حسب ميراثهم، أو على حسب فرائضهم، أو بالعكس من هذا، أو على أن للكبير ضعف ما للصغير، أو للعالم ضعف ما للجاهل، أو للعائل ضعف ما للغني، أو عكس ذلك، أو عين بالتفضيل واحدا معينا، أو ولده، أو ما أشبه هذا، فهو على ما قال؛ لأن ابتداء الوقف مفوض إليه؛ فكذلك تفضيله وترتيبه.

وكذلك: إن شرط إخراج بعضهم بصفة، وردّه بصفة مثل أن يقول: من تزوج منهم فله، ومن فارق فلا شيء له، أو عكس ذلك، أو من حفظ القرآن فله، ومن نسيه فلا شيء له، ومن اشتغل بالعلم فله، ومن ترك فلا شيء له، أو من كان على مذهب كذا فله، ومن خرج منه فلا شيء له؛ فكل هذا صحيح على ما شرط.

وقد روى هشام بن عروة، أن الزبير جعل دُوره صدقة على بنيه، لا تباع ولا توهب، وأن للمردودة من بناته أن تسكن، غيرَ مُضِرة ولا مُضَرٍّ بها، فإن استغنت بزوج، فلا حق لها في الوقف.

وليس هذا تعليقا للوقف بصفة، بل الوقف مطلق، والاستحقاق له بصفة.

وكل هذا مذهب الشافعي. ولا نعلم فيه خلافا" انتهى من المغني (6/ 18).

وينظر: جواب السؤال رقم : (293626) .

ثالثا:

الوقف منقطع الجهة: أي إذا انقطعت الجهة الموقوف عليها، فإن الوقف يصير إلى ورثة الواقف موقوفا عليهم، على قدر إرثهم، ما لم ينص على غير ذلك.

ينظر: "الموسوعة الفقهية" (44/ 147).

وفي هذه الوثيقة، جعل الوقف لأقارب الموقوف عليهم من جهة الأب. وذلك قوله: " فإن انقرضوا عن آخرهم وأتى الحُمام على وضيعهم ورفيعهم ، فترجع حبسا لأقاربهم من جهة الأب .
فإن انقرض أقاربهم فترجع حبسا على مكة و المدينة شرفها الله و على ساكنها أفضل الصلاة و السلام .
تصرف غلته فيما يصرف فيه جملة الأحباس".

وهذا لا حرج فيه، فقد سبق جواز التخصيص والتفضيل بين الورثة في الوقف.

والله أعلم.