عنوان الفتوى : صحة حديث ضحك الله لمن يقوم في ليلة باردة من فراشه
فى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أن الله ليضحك إلى رجل قام فى ليلة باردة من فراشه ولحافه ، فتوضأ ، ثم أقام الصلاة ، ويقول للملائكة : ما حمل عبدي على هذا الصنع ؟ فيقولون : ربنا ! رجاء ما عندك ، وشفقه مما عندك. فيقول الله : فإنى قد أعطيته ما رجا ، وأمنته مما يخاف ، ورزقته ما يتمنى ) فما صحة هذا الحديث ؟
الحمد لله
أولا:
الحديث المذكور حديث صحيح ، موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه.
وقد جاء مرفوعا ، من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بإسناد حسن، لكن ليس فيه لفظ الضحك، بل فيه: عجِب ربنا :
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَجِبَ رَبُّنَا مِنْ رَجُلَيْنِ: رَجُلٍ ثَارَ عَنْ وِطَائِهِ وَلِحَافِهِ مِنْ بَيْنَ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ ، فَيَقُولُ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، ثَارَ عَنْ فِرَاشِهِ وَوِطَائِهِ مِنْ بَيْنَ حِبِّهِ وَأَهْلِهِ إِلَى صَلَاتِهِ رَغْبَةً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدِي، وَرَجُلٍ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَانْهَزَمَ أَصْحَابُهُ، وَعَلِمَ مَا عَلَيْهِ فِي الِانْهِزَامِ ، وَمَا لَهُ فِي الرُّجُوعِ، فَرَجَعَ حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي، رَجَعَ رَجَاءً فِيمَا عِنْدِي، وَشَفَقًا مِمَّا عِنْدِي حَتَّى هُرِيقَ دَمُهُ .
رواه أحمد في مسنده (3949) وابن حبان في صحيحه (2558) وابن خزيمة في "التوحيد" (799)
وقد ساق المنذري رحمه الله الحديث المرفوع أولا، ثم الموقوف، في "الترغيب والترهيب" (630) ، ثم قال: رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني وابن حبان في "صحيحه".
ورواه الطبراني موقوفاً بإسناد حسن " انتهى .
ولفظ الحديث الموقوف عند الطبراني : عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ:
" أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّهُ يُقَرِّبُ إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، إِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ: صَدَقَ وَبَرَّ، وَلِلْكَاذِبِ: كَذَبَ وَفَجَرَ .
أَلَا وَإِنَّ لِلْمَلَكِ لَمَّةٌ، وَلِلشَّيْطَانِ لَمَّةٌ، فَلَمَّةُ الْمَلَكِ إِيعَادٌ لِلْخَيْرِ، وَلَمَّةُ الشَّيْطَانِ إِيعَادٌ بِالشَّرِّ، فَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الْمَلَكِ فَلْيَحْمَدِ اللهَ ، وَمَنْ وَجَدَ لَمَّةَ الشَّيْطَانِ فَلْيَتَعَوَّذْ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ البقرة/268 إِلَى آخِرِ الْآيَةِ .
قَالَ: أَلَا إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَضْحَكُ إِلَى رَجُلَيْنِ :
رَجُلٍ قَامَ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ مِنْ فِرَاشِهِ وَلِحَافِهِ وَدِثَارِهِ ، فَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَامَ إِلَى صَلَاةٍ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لِمَلَائِكَتِهِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟ فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ، فَيَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا ، وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ .
وَرَجُلٍ كَانَ فِي فِئَةٍ ، فَعَلِمَ مَا لَهُ فِي الْفِرَارِ، وَعَلِمَ مَا لَهُ عِنْدَ اللهِ ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَيَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ: مَا حَمَلَ عَبْدِي هَذَا عَلَى مَا صَنَعَ؟، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا رَجَاءَ مَا عِنْدَكَ ، وَشَفَقَةً مِمَّا عِنْدَكَ .
فَيَقُولُ: فَإِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ أَعْطَيْتُهُ مَا رَجَا وَأَمَّنْتُهُ مِمَّا خَافَ " أَوْ كَلِمَةً شَبِيهَةً بِهَا ".
رواه الطبراني في "الكبير" (8532) .
وقد حكم الشيخ الألباني رحمه الله في "صحيح الترغيب" على المرفوع بأنه حسن لغيره، وعلى الموقوف بأنه صحيح لغيره. وينظر: "السلسة الصحيحة"، رقم (3478) .
وفي حاشية المسند، ط الرسالة (7/62): " إسناده حسن إلا أن الدارقطني صحح وقفه" انتهى.
وينظر كلام الدارقطني في "العلل" (5/267) .
ثانيا:جاء في هذا المعنى، وفيه التصريح بالضحك: حديث أبي الدرداءِ رضي الله عنه عن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:
ثلاثةٌ يحبُّهم اللهُ، ويضحكُ إليهم، وَيستبشرُ بهم:
الذي إذا انكشفتْ فِئةٌ قاتلَ وراءها بنفسه لله عز وجل، فإمّا أنْ يُقتَلَ، وإمّا أنْ ينصرَه اللهُ ويكفيَه، فيقول: انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه؟!
والذي له امرأة حَسَنَةٌ، وفراشٌ لَيِّنٌ حَسَنٌ، فَيَقُومُ من الليلِ، فيقولُ: يَذَرُ شهوتَه وَيذكرني، ولو شاء رَقَدَ.
والذي إذا كان في سفرٍ، وكان معه ركب، فسهروا، ثم هَجَعُوا، فقام من السَّحَرِ في ضرَّاءَ وسرَّاءَ
.
قال المنذري رحمه الله في "الترغيب والترهيب" (629): "رواه الطبراني في "الكبير" بإسناد حسن" انتهى.
والحديث حسنه الألباني وعزاه إلى الحاكم أيضا.
ثالثا:
قد جاء في إثبات الضحك أحاديث كثيرة، منها ما هو في الصحيحين.
منها ما روى البخاري (2826) ، ومسلم (1890) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَضْحَكُ اللَّهُ إِلَى رَجُلَيْنِ يَقْتُلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ يَدْخُلاَنِ الجَنَّةَ: يُقَاتِلُ هَذَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَيُقْتَلُ، ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَى القَاتِلِ، فَيُسْتَشْهَدُ .
ومنها ما روى البخاري (806) ، ومسلم (182) في آخر أهل الجنة دخولا الجنة، وفيه: فَيَقُولُ اللَّهُ: وَيْحَكَ يَا ابْنَ آدَمَ، مَا أَغْدَرَكَ، أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ العُهُودَ وَالمِيثَاقَ، أَنْ لاَ تَسْأَلَ غَيْرَ الَّذِي أُعْطِيتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ لاَ تَجْعَلْنِي أَشْقَى خَلْقِكَ، فَيَضْحَكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهُ، ثُمَّ يَأْذَنُ لَهُ فِي دُخُولِ الجَنَّةِ .
وفي رواية: فَيَقُولُ : وَيْلَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مَا أَغْدَرَكَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لاَ أَكُونَنَّ أَشْقَى خَلْقِكَ فَلاَ يَزَالُ يَدْعُو حَتَّى يَضْحَكَ اللَّهُ مِنْهُ، فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، قَالَ لَهُ: ادْخُلِ الجَنَّةَ .
وصفة الضحك صفة ثابتة لله تعالى، الله أعلم بكيفيتها.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله في "كتاب التوحيد" (2/ 563): "باب ذكر إثبات ضحك ربنا عز وجل بلا صفة تصف ضحكه، جل ثناؤه، لا ولا يشبه ضحكه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك، كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم ونسكت عن صفة ضحكه جل وعلا؛ إذ الله عز وجل استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك، فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم مصدقون بذلك، بقلوبنا منصتون عما لم يبين لنا، مما استأثر الله بعلمه" انتهى.
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |