عنوان الفتوى : يعمل والد زوجها مولدا للجيلاني يذبح له فهل يجوز لها أن تشارك بطبخ اللحم ؟
أنا عندي أختي متزوجة ، وعندها صغار ، ووالد زوجها يقيم ما يعرف بالوعدة كل عام لمن يسمى بسيدي عبد القادر ، يذبح فيها أغناما ، ويقيم فيها ما يسمى بالحضرة ، ولديه ابنه الكبير فقط متزوج ، وأختي تقوم بالطهي ، بسبب أنها هي من تقوم بأعمال المنزل ، وليس عندهم بنات ، ووالد زوج أختي متشدد كثيرا ، رغم أنه حج بيت الله تعالى ، لكن غير متعلم ، من سكان البدو ، أخبرت أختي أن هذا من الشرك الأكبر ، وأنه يحبط أعمال من يقوم به ، وتنبهت ـ والحمد لله ـ ، وقالت : لن آكل من لحم هذه الشركيات بعد اليوم ، وعرفت الحق ، وهي متعلمة ، وتقية ـ والحمد لله تعالى ـ ، لكن المشكلة أنه بقي طهي هذا اللحم ، فهي الطاهية الوحيدة في المنزل ، ووالد زوجها متشدد على أبنائه ، وهي خائفة إذا رفضت الطهي أن يحدث طلاق أو ما شابه ، فهل تكتفي بعدم الأكل من هذا لحم شرك ، وتطهيه مكرهة ، أو تترك حتى الطهي ، وتغامر بعائلتها ؟
الحمد لله
أولا:
لا يجوز إقامة هذه الوعدات (الموالد) لما يلي:
1-أنها من الأعياد المحدثة، وليس لنا، أمةَ الإسلام ، إلا عيدا الفطر والأضحى، وقد روى أبو داود (1134) والنسائي (1556) عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ، فَقَالَ : مَا هَذَانِ الْيَوْمَانِ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَلْعَبُ فِيهِمَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا يَوْمَ الْأَضْحَى وَيَوْمَ الْفِطْرِ وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2021).
وهذه الموالد أعياد زمانية ومكانية؛ لأنها تعود ويحتفل بها في زمان معين ومكان معين.
قال ابن القيم رحمه الله: "والعيد : ما يُعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان:
فأما الزمان فكقوله - صلى الله عليه وسلم -: (يومُ عرفة ويوم النحر وأيامُ مِنى عيدنا أهل الإسلام). رواه أبو داود وغيره.
وأما المكان فكما روى أبو داود في "سننه" أن رجلًا قال: يا رسول الله! إني نذرت أن أنْحَر بِبُوانَةَ؟ فقال: (أبهِا وثَنٌ من أوثان المشركين، أو عيد من أعيادهم؟ )، قال: لا، قال: (فأوفِ بنذرك).
وكقوله: (لا تجعلوا قبري عيدًا).
والعيد: مأخوذ من المعاودة والاعتياد، فإذا كان اسمًا للمكان فهو المكان الذي يُقصد الاجتماع فيه وانْتِيابُه للعبادة أو لغيرها، كما أن المسجد الحرام ومنًى ومُزْدلِفَة وعرفة والمشاعِرَ جعلها الله عيدًا للحُنفاء ومثابةً، كما جعل أيام التعبُّد فيها عيدًا.
وكان للمشركين أعياد زمانية ومكانية، فلما جاء الله بالإسلام أبطلها، وعوّض الحنفاء منها: عيد الفطر، وعيد النحر، وأيام منًى، كما عوّضهم عن أعياد المشركين المكانية: بالكعبة البيت الحرام، وعرفة، ومنى، والمشاعر.
فاتخاذ القبور عيدًا هو من أعياد المشركين التي كانوا عليها قبل الإسلام، وقد نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سَيّدِ القبور، منَبِّهًا به على غيره.
فقال أبو داود: حدثنا أحمد بن صالح قال: قرأت على عبد الله بن نافع، أخبرني ابن أبي ذِئْب، عن سعيد المقبريِّ، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تجعلوا بيوتكم قبورًا، ولا تجعلوا قبري عيدًا، وصلوا عليّ؛ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم) ، صلى الله عليه وسلم، وهذا إسناد حسن، رواته كلهم ثقات مشاهير.
وقال أبو يَعْلى الموصليُّ في "مسنده" : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحُباب، حدثنا جعفر بن إبراهيم من ولَد ذي الجناحين، حدثنا [علي بن عمر، عن أبيه، عن] علي بن الحسين: أنه رأى رجلًا يجيء إلى فُرْجةٍ كانت عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيدخل فيها، فيدعو، فنهاه، وقال: ألا أحدثكم حديثًا سمعته من أبي، عن جدي، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا بيوتكم قبورًا؛ فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم"" انتهى من "إغاثة اللهفان" (1/ 344).
2-أن هذه الموالد ذريعة للغلو في أصحابها، ودعائهم من دون الله ، والتقرب لهم بالذبائح والقرابين ، إلى غير ذلك من صور الشرك.
3-أنها أماكن لاقتراف المنكرات ، من تناول المسكر، واختلاط الرجال بالنساء، والرقص والغناء والزمر.
4-أنه إذا مُنع اتخاذ قبر النبي صلى الله عليه وسلم عيدا- كما تقدم- فأولى أن يمنع اتخاذ قبر غيره عيدا.
قال المناوي رحمه الله في "فيض القدير" (4/ 199): " (ولا تتخذوا بيتي عيدا) أي لا تتخذوا قبري مظهر عيد. ومعناه النهي عن الاجتماع لزيارته اجتماعهم للعيد، إما لدفع المشقة أو كراهة أن يتجاوزوا حد التعظيم، وقيل العيد ما يعاد إليه أي لا تجعلوا قبري عيدا تعودون إليه متى أردتم أن تصلوا علي، وظاهره ينهى عن المعاودة، والمراد المنع عما يوجبه وهو ظنهم أن دعاء الغائب لا يصل إليه ويؤيده قوله: (وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم) أي لا تتكلفوا المعاودة إلي، فقد استغنيتم بالصلاة علي...
<تنبيه> قولهم فيما سلف معناه النهي عن الاجتماع إلخ يؤخذ منه أن اجتماع العامة في بعض أضرحة الأولياء في يوم أو شهر مخصوص من السنة ويقولون هذا يوم مولد الشيخ ويأكلون ويشربون وربما يرقصون منهي عنه شرعا، وعلى ولي الشرع ردعهم على ذلك وإنكاره عليهم وإبطاله" انتهى.
ثانيا:
إذا كان الرجل المذكور يذبح هذه الذبائح تقربا لعبد القادر، فهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة، وقد روى مسلم (1978) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ : " مَا خَصَّنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ لَمْ يَعُمَّ بِهِ النَّاسَ كَافَّةً إِلَّا مَا كَانَ فِي قِرَابِ سَيْفِي هَذَا فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً مَكْتُوبٌ فِيهَا : لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَرَقَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا .
ومنار الأرض : علاماتها وحدودها .
قال الحسن بن علي البربهاري (ت: 329 هـ): "ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئا من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله ، أو يصلي لغير الله ، وإذا فعل شيئا من ذلك: فقد وجب عليك أن تخرجه من الإسلام" انتهى من "شرح السنة" للبربهاري، ص 81 .
وهذه الذبائح لا يحل أكلها؛ لأنها مما أهل لغير الله به.
ولا يجوز حملها ولا طبخها ولا توزيعها ولا الإعانة عليه بوجه؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان، وقد قال الله: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ المائدة/2 .
ولا يلزم المرأة طاعة زوجها ولا غيره في ذلك؛ لأن الطاعة إنما تكون في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
فالواجب أن تمتنع عن الطبخ وأن تأباه أشد الإباء.
وعليها أن تبين لزوجها حرمة إقامة هذه الوعدات وحرمة المشاركة فيها.
وإذا كان زوجها ممن يفعل ذلك، وكان يصدر منه دعاء للأموات، أو ذبح لهم، فإنه لا يحل لها أن تبقى معه، حتى يتوب من هذا الشرك ويقلع عنه.
وينظر: جواب السؤال رقم : (210264) ، ورقم : (256488) ، ورقم : (292106) ، ورقم : (114662) .
وأما إذا كان هذا الرجل يذبح هذه الأغنام للأكل، ويذكر اسم الله عليها ، ولم يكن ذبحه على وجه النذر للولي ، أو التقرب إليها بالذبح : فلا تحرم هذه الذبيحة ؛ وإن كان لا ينبغي أن يعان عليها بشيء من وجوه الإعانة ، لأنها عمل مبتدع ، وعيد محدث ، لا يشرع .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي "مجموع الفتاوى" (9/74) :
" ما حكم الذبائح التي تكون في المولد ؟
فأجاب رحمه الله :
إن كان ذبحها لصاحب المولد فهذا شرك أكبر ، أما إن كان ذبحها للأكل فلا شيء في ذلك ، لكن ينبغي ألا يؤكل منها ، وأن لا يحضر المسلم إنكارا عليهم بالقول والفعل ؛ إلا أن يحضر لنصيحتهم بدون أن يشاركهم في أكل أو غيره " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم : (89693) .
لكن في هذه الحالة ـ الثانية ـ إذا خشيت الزوجة على نفسها من والد زوجها ، أو خشيت منه أن يحرش زوجها عليها ، فيحمله على طلاقها ، أو أذيتها : فنرجو ألا يكون عليها حرج في طبخ هذا الطعام ، مع كراهتها لذلك .
وينبغي أن تتفاهم مع زوجها في ذلك الأمر، وتحاول معه أن يعفيها من ذلك الحرج والضيق ، ولا يكلفها أمر فيه أذية لها .
والله أعلم.