عنوان الفتوى : ماهية الهجر المشروع
نود معرفة حكم هجر وقطع صلة الأخ الذي اغتصب ابنتي ومنع أبنائي من زيارته.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الهجر يشرع اذا كان لمقصد شرعي كأن ينزجر المهجور بسببه عن الذنب، فإذا كان الهجر لا يحقق هذا المقصد، فإن القرب منه ونصحه ووعظه أولى وأحسن، فقد قال النووي في الروضة: الصواب الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم التحريم في الثلاثة للحديث الصحيح: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور فلا يحرم، وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضا. انتهى
و جاء في عون المعبود عن ابن رسلان قوله: يستحب ترك السلام على أهل البدع والمعاصي الظاهرة تحقيرا لهم وزجرا، ولذلك قال كعب بن مالك، فسلمت عليه فوالله ما رد السلام علي. انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. انتهى.
وإننا لننصح الأخ السائل بالصفح والعفو إن كان أخوه قد تاب وأناب، مع صيانة أبنائه وحفظهم من هذا الأخ وغيره.
والله أعلم.