عنوان الفتوى : الحكمة من ذكر الإثابة على بعض الأعمال ببيت في الجنة
أحسن الله إليكم. قرأت في بعض الأحاديث أن من حافظ على السنن الرواتب، يبنى له بيت في الجنة. سؤالي: أليس الذي يدخل الجنة، ويطلب من الله عز وجل ولو عشرة بيوت، أن الله يعطيه ما تمنى وطلب . فما السر في الأحاديث التي تعد من يعمل عملا معينا أن له كذا وكذا في الجنة؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
ففي الحديث: ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم اثنتي عشرة ركعة، تطوعاً غير فريضة إلا بنى الله له بيتاً في الجنة. رواه مسلم.
وهذا الوعد الرباني لا يشكل عليه تحقيق أمنياتهم، ومشتهياتهم الموعود به في النصوص الأخرى، لكن هذا يفيد الترغيب في فعل هذه الطاعات، وأن فعل هذه الرواتب يترتب عليه كذا وكذا من الثواب، وأنها سبب لدخول الجنة؛ لأنه إذا بني له بيت في الجنة دخلها.
ومن دخلها أعطاه الله ذلك وأكثر، وتحقق له ما يتمنى ويشتهي، كما في "الصحيحين " عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:"يقول الله عز وجل: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر".
ثم يقول أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم: فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {السجدة:17}.
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة - يرفعه: "سأل موسى ربه، قال: يا رب، ما أدنى أهل الجنة منزلة؟ قال: هو رجل يجيء بعدما أدخل أهل الجنة الجنة. فيقال له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب، كيف وقد أخذ الناس منازلهم، وأخذوا أخذاتهم؟ فيقال له: أترضى أن يكون لك مثل ملك ملك من ملوك الدنيا؟ فيقول: رضيت يا رب. فيقول: لك ذلك ومثله ومثله، ومثله، ومثله، فقال له في الخامسة: رضيت يا رب، فيقال: هذا لك، وعشرة أمثاله، ولك ما اشتهت نفسك، ولذت عينك، فيقول: رضيت رب. قال: فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي، وختمت عليها، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر. قال: ومصداقه في كتاب الله: (فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين) ". اهـ.
وقال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ {فصلت:30ـ 32}.
قال ابن كثير: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ ـ أَيْ: فِي الْجَنَّةِ مِنْ جَمِيعِ مَا تَخْتَارُونَ مِمَّا تَشْتَهِيهِ النُّفُوسُ، وَتَقَرُّ بِهِ الْعُيُونُ: وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ ـ أَيْ: مَهْمَا طَلَبْتُمْ وَجَدْتُمْ، وَحَضَرَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، أَيْ كَمَا اخْتَرْتُمْ: نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ـ أَيْ: ضِيَافَةً وَعَطَاءً وَإِنْعَامًا مِنْ غَفُورٍ لِذُنُوبِكُمْ، رَحِيمٍ بِكُمْ رَءُوفٍ، حَيْثُ غَفَرَ، وَسَتَرَ، وَرَحِمَ، وَلَطَفَ. اهـ.
والله أعلم.