عنوان الفتوى : هل يستجاب للمعتدي في دعائه؟
قبل يوم كنت أسير بسيارتي، وسحب الذي أمامي فرامل، فاضطررت أن أخرج إلى اليسار، ولم أنتبه أن هناك سيارة، فصدمت فيها، فنزلت أتفاهم معه، لكنه نزل وكان يدعو: الله لا يوفقك، وإن شاء الله تراها فيك، وفي أهلك. ولم يعطني مجالًا للتفاهم معه، وإعطائه حقه، وذهب وهو يدعو. سؤالي لفضيلتكم: ما حكم دعائه عليّ -مع أني نزلت أتفاهم معه-؟ وهل عليّ شيء؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فمجرد قوع الشخص في خطأ أثناء قيادة السيارة دون تعمد للإضرار بالآخرين، لا يبيح مثل هذا الدعاء! بل وحتى الظالم لا يجوز أن يُدعى عليه إلا بقدر ظلمه وإيذائه، ومع ذلك؛ فترك الدعاء عليه أولى، والأفضل أن يُدعى له بالهداية والصلاح، ونحو ذلك، وراجع في ذلك الفتويين: 46898، 7618.
والمعتدي في دعائه لا يستجاب له، كما قال الله تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف: 55]. قال الشوكاني في (فتح القدير): وهذا -يعني إجابة الدعاء- مقيد بعدم اعتداء الداعي في دعائه، كما في قوله سبحانه: {ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه لا يحب المعتدين}. اهـ.
وفي الحديث الصحيح: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم. قال ابن هبيرة في (الإفصاح): في هذا الحديث من الفقه: إشعار العبد بأن الله سبحانه يجيب كل داع على الإطلاق؛ إلا إنه قد يكون سوء اختيار الداعي ما لا يرضي الله لفضله أن يجعله تبعًا لسوء ذلك الاختيار، فيكون إما يدعو بإثم قد شرع الله فيما أوجب على عبده ألا يأتيه. اهـ.
وقال المناوي في (التنوير): (ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم) فإنه لا يجاب؛ لأنه عاص بنفس الدعاء. اهـ.
وقال المباركفوري في (تحفة الأحوذي): (ما لم يدع بمأثم) المأثم: الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه، ووقع في بعض النسخ (بإثم). اهـ.
وأما ما عليك الآن: فهو أن تعلم بداية أن قيمة الضرر الذي لحق بهذه السيارة بفعلك أو تسببك: ثابت في ذمتك، ويستصحب هذا الحكم طالما لم يصدر عن صاحب الحق ما يدل على تنازله عن حقه، بعفو أو إبراء، أو إسقاط، ونحو ذلك، وأما مجرد انصرافه من مكان الحادث دون أن يعطيك المجال للتفاهم معه، وإعطائه حقه: فيحتمل أن ذلك منه إسقاط لحقه، ويحتمل عدمه، فإن كان بإمكانك الوصول لصاحب السيارة لإعطائه حقه، أو طلب عفوه، فافعل ذلك. وإن لم يتيسر لك الوصول إليه، فيمكنك أن تتصدق عنه بما يغلب على ظنك براءة ذمتك به من ذلك الحق، وراجع الفتوى رقم: 220651.
والله أعلم.