عنوان الفتوى : حكم إطلاق لفظ الأخوة على غير المسلمين
هل ورد عن سيدنا أبي بكر الصديق أنه قال عن النصارى إنهم إخوة لنا ـ بقوله: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخوتنا؟ وهل يجوز ذلك؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد هذا في أثر رواه ابن جرير الطبري بإسناده عن عكرمة: أن الروم وفارس اقتتلوا في أدنى الأرض ـ قال: وأدنى الأرض يومئذ أذرعات ـ بها التقوا فهزمت الروم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهم بمكة، فشق ذلك عليهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يظهر الأميون من المجوس على أهل الكتاب من الروم، وفرح الكفار بمكة وشمتوا، فلقوا أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إنكم أهل كتاب والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب، وإنكم إن قاتلتمونا لنظهرن عليكم، فأنزل الله: «ألم غلبت الروم» ـ إلى ـ «وهم عن الآخرة هم غافلون»، فخرج أبو بكر الصديق إلى الكفار فقال: أفرحتم بظهور إخوانكم على إخواننا! فلا تفرحوا، ولا يقرن الله أعينكم، فوالله ليظهرن الروم على فارس... اهـ.
قال الزيلعي في (تخريج أحاديث الكشاف): هذا مرسل. اهـ.
والمرسل نوع من أنواع الضعيف، وقد رويت هذه القصة من طرق أخرى دون لفظ (إخواننا).
وعلى فرض صحة الأثر، فإن كلام أبي بكر كان جوابا لقول المشركين: "إنكم أهل كتاب، والنصارى أهل كتاب، ونحن أميون، وقد ظهر إخواننا من أهل فارس على إخوانكم من أهل الكتاب". فكان جوابه ـ رضي الله عنه ـ على نسق كلامهم وألفاظهم، كنحو أسلوب المجاراة المعروف عند البلاغيين، قال الشيخ عبد الرحمن الميداني في كتابه (البلاغة العربية): المجاراة: هي مسايرة المخاطب بحسب ظاهر كلامه. اهـ.
ثم إن في كلامهم أيضا إشارة للمعنى المراد بالأخوة هنا، وهو اشتراكهم مع الفرس في كونهم ليسوا أهلَ كتابٍ سماوي، واشتراك المسلمين مع النصارى في كونهم أهل كتاب، فالروم أقرب إلى المسلمين من الفرس، والفرس أقرب إلى المشركين من الروم، قال ابن الجوزي في (المنتظم): قال علماء السير: فرح المشركون وشق على المسلمين؛ لأن فارس لم يكن لهم كتاب، وكانوا يجحدون البعث ويعبدون الأصنام، وكان الروم أصحاب كتاب... اهـ.
وعلى أية حال فوصف الكفار بالأخوة يجوز في حال دون حال، فيجوز إذا قصد به النسب أو القبيلة أو الآدمية ونحو ذلك مما هو واقع ومقبول، ولا يجوز إذا قصد به الدين أو المودة والمحبة، مما لا يُفرَّق فيه بين المسلم وغيره، وراجع في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 46899، 67185.
وأما إطلاق الأخوة دون تقييدها بما يناسبها من المعاني، فالأصل فيه المنع، وراجع في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 218911، 128926.
وقد قال الله تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ {الحجرات:10}، قال الرازي في (مفاتيح الغيب): إِنَّمَا للحصر أي لا أخوة إلا بين المؤمنين، وأما بين المؤمن والكافر فلا؛ لأن الإسلام هو الجامع، ولهذا إذا مات المسلم وله أخ كافر يكون ماله للمسلمين، ولا يكون لأخيه الكافر، وأما الكافر فكذلك، لأن في النسب المعتبر الأب الذي هو أب شرعاً، حتى أن ولدي الزنا من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر، فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأخوة. اهـ.
وتابعه على ذلك حقي في (تفسيره) ونقله من المعاصرين الصابوني في (صفوة التفاسير).
والله أعلم.