عنوان الفتوى : أحاديث صحيح البخاري كلها صحيحة سندا ومتنا
هل صحيح البخاري المسند، صحيح في المتن، أم صحته مختصة بالسند بشكل أخص؟ وأي الكتب أصح من حيث المتن؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فالأحاديث المسندة في صحيح البخاري، كلها صحيحة، سندا ومتنا، ولكن صحة المتن أقوى وأظهر؛ لوجود بعض العلل في الأسانيد دون المتون، ولذلك كان أكثر ما انتقد على الصحيح إنما هو في ما يتعلق بالصناعة الحديثية في الأسانيد، وطرق الحديث، دون المتون. وراجع في بيان ذلك الفتويين: 13678، 134033.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (التوسل والوسيلة): كتاب البخاري أجل ما صنف في هذا الباب؛ والبخاري من أعرف خلق الله بالحديث وعلله، مع فقهه فيه، وقد ذكر الترمذي أنه لم ير أحدا أعلم بالعلل منه.
ولهذا كان من عادة البخاري إذا روى حديثا اختلف في إسناده، أو في بعض ألفاظه، أن يذكر الاختلاف في ذلك؛ لئلا يغتر بذكره له، بأنه إنما ذكره مقرونا بالاختلاف فيه. ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري، مما صححه، يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه ...
ولكن جمهور متون الصحيحين، متفق عليها بين أئمة الحديث، تلقوها بالقبول، وأجمعوا عليها، وهم يعلمون علما قطعيا أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها. اهـ.
وقال النووي في التقريب: أول مصنف في الصحيح المجرد، صحيح البخاري، ثم مسلم، وهما أصح الكتب بعد القرآن، والبخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد، وقيل: مسلم أصح، والصواب الأول. واختص مسلم بجمع طرق الحديث في مكان واحد. اهـ.
وقال السيوطي في شرحه (تدريب الراوي) عن كون البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد، قال: وعليه الجمهور؛ لأنه أشد اتصالا، وأتقن رجالا، وبيان ذلك من وجوه ... اهـ. ثم ذكر تفصيل ذلك.
وهذا هو الصواب الذي عليه أئمة الشأن، فصحيح البخاري مقدم على غيره من حيث اجتماع شرائط الصحة، ومن حيث الفوائد الفقهية، والأحكام، وأما صحيح مسلم فميزته في حسن سياقه للأحاديث مجموعة الطرق، والألفاظ في موضع واحد. كما أشار إليه النووي. هذا مع التحري في ألفاظ الحديث، ولذلك يمكن لمن كانت عنايته متوجهة لألفاظ المتون، وسياق الحديث بطوله دون تقطيعه على أبواب الفقه، أن يقدم صحيح مسلم على البخاري.
وهذا هو ما دعا بعض أهل العلم لتقديمه، كما قال أبو علي النيسابوري: ما تحت أديم السماء، كتاب أصح من كتاب مسلم. اهـ.
قال الحافظ ابن حجر: الذي يظهر لي من كلام أبي علي، أنه قدم صحيح مسلم لمعنى آخر، غير ما يرجع إلى ما نحن بصدده من الشرائط المطلوبة في الصحة، بل لأن مسلما صنف كتابه في بلده، بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ، ويتحرى في السياق، بخلاف البخاري، فربما كتب الحديث من حفظه، ولم يميز ألفاظ رواته؛ ولهذا ربما يعرض له الشك، وقد صح عنه أنه قال: "رب حديث سمعته بالبصرة، فكتبته بالشام" ولم يتصد مسلم لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام، وتقطيع الأحاديث، ولم يخرج الموقوفات. اهـ.
والله أعلم.