عنوان الفتوى : قصة حنين الجذع .
أريد القصة الصحيحة لحنين الجذع ، وهل تكلم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الجذع ؟ وهل دفن تحت المنبر ؟ وهل غرس في الجنة ؟ وأين غرس ؟ وماذا حصل له ؟
الحمد لله
أولا :
روى البخاري (3583) عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ المِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ ، فَحَنَّ الجِذْعُ ، فَأَتَاهُ ، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ " .
وروى البخاري أيضا (3585) عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: " كَانَ المَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ المِنْبَرُ، وَكَانَ عَلَيْهِ، فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ العِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا ، فَسَكَنَتْ ".
وفي رواية : إِنَّ هَذَا بَكَى لِمَا فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ رواه أحمد (14206) ، وصححه محققو المسند.
قال بدر الدين العيني رحمه الله :
" قَوْله: (كصوت العِشَار) ، جمع: عُشَراء، وَهِي النَّاقة الَّتِي أَتَت عَلَيْهَا ، من يَوْم أُرسل عَلَيْهَا الْفَحْل ، عشرَة أشهر .
وَفِي حَدِيث جَابر عِنْد النَّسَائِيّ من الْكُبْرَى: (اضْطَرَبَتْ تِلْكَ السارية كحنين النَّاقة الحلوج). والحلوج: النَّاقة الَّتِي انتزع مِنْهَا وَلَدهَا.
وَفِي حَدِيث أنس عِنْد ابْن خُزَيْمَة: ( فحنت الْخَشَبَة حنين الوالدة)، وَفِي رِوَايَته الْأُخْرَى عِنْد الدَّارمِيّ: (خار ذَلِك الْجذع كخوار الثور)، وَفِي حَدِيث أبي بن كَعْب عِنْد أَحْمد: (فَلَمَّا جاوزه خار الْجذع حَتَّى تصدع وَانْشَقَّ) " انتهى .
وروى ابن ماجة (1415) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وأَنَسٍ : " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ ، ذَهَبَ إِلَى الْمِنْبَرِ ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ ، فَاحْتَضَنَهُ ، فَسَكَنَ .
فَقَالَ: لَوْ لَمْ أَحْتَضِنْهُ لَحَنَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجة".
ثانيا :
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم مع الجذع ، وإنما احتضنه لما حنّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وبكى شوقا إلى مقامه منه ، ولأجل ما فقد من الذكر الذي كان يقال عنده ، فلما احتضنه النبي صلى الله عليه وسلم سكن – كما تقدم آنفا -.
وقد روى الدارمي (32) من طريق تَمِيم بْن عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ حَيَّانَ، حَدَّثَنِي ابْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ : " أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ حِينَ سَمِعَ حَنِينَ الْجِذْعِ ، رَجَعَ إِلَيْهِ ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: اخْتَرْ أَنْ أَغْرِسَكَ فِي الْمَكَانِ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ، فَتَكُونَ كَمَا كُنْتَ، وَإنْ شِئْتَ أَنْ أَغْرِسَكَ فِي الْجَنَّةِ ، فَتَشْرَبَ مِنْ أَنْهَارِهَا وَعُيونِهَا فَيَحْسُنَ نَبْتُكَ، وَتُثْمِرَ ، فَيَأْكُلَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ مِنْ ثَمَرَتِكَ وَنَخْلِكَ فَعَلْتُ .
فَزَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ ، وَهُوَ يَقُولُ لَهُ: نَعَمْ قَدْ فَعَلْتُ مَرَّتَيْنِ .
فسئل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ ، فَقَالَ: اخْتَارَ أَنْ أَغْرِسَهُ فِي الْجَنَّةِ ".
وهذا إسناد لا يصح ، قال الحافظ ابن حجر في " تخريج أحاديث المختصر" (1/ 238):
" هذا حديث غريب ، وإسناده ضعيف، وصالح بن حيان كوفي ضعيف، والراوي عنه لم أر من ترجمه، ولا أعرف له راويا، إلا محمد بن حميد، وهو رازي من الحفاظ ، وقد تكلموا فيه، وخولف تميم شيخه في صحابي هذا الحديث " انتهى .
وقد ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله أن خبر حنين الجذع متواتر ، قال :
" وَأَمَّا تَخْيِيرُ الْجِذْعِ : فلَا يَصِحُّ إِسْنَادُهُ " انتهى من "البداية والنهاية" (9/ 351)
ثالثا :
أما مصير الجذع :
فروى ابن ماجة (1414) ، وأحمد (21248) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنِ الطُّفَيْلِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي إِلَى جِذْعٍ إِذْ كَانَ الْمَسْجِدُ عَرِيشًا، وَكَانَ يَخْطُبُ إِلَى ذَلِكَ الْجِذْعِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ: هَلْ لَكَ أَنْ نَجْعَلَ لَكَ شَيْئًا تَقُومُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَرَاكَ النَّاسُ وَتُسْمِعَهُمْ خُطْبَتَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ .
فَصَنَعَ لَهُ ثَلَاثَ دَرَجَاتٍ، فَهِيَ الَّتِي أَعْلَى الْمِنْبَرِ، فَلَمَّا وُضِعَ الْمِنْبَرُ، وَضَعُوهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ .
فَلَمَّا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُومَ إِلَى الْمِنْبَرِ، مَرَّ إِلَى الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَخْطُبُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا جَاوَزَ الْجِذْعَ، خَارَ ، حَتَّى تَصَدَّعَ وَانْشَقَّ !!
فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا سَمِعَ صَوْتَ الْجِذْعِ، فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ حَتَّى سَكَنَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمِنْبَرِ .
فَكَانَ إِذَا صَلَّى، صَلَّى إِلَيْهِ .
فَلَمَّا هُدِمَ الْمَسْجِدُ وَغُيِّرَ ، أَخَذَ ذَلِكَ الْجِذْعَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَكَانَ عِنْدَهُ فِي بَيْتِهِ حَتَّى بَلِيَ، فَأَكَلَتْهُ الْأَرَضَةُ ، وَعَادَ رُفَاتًا ".
وحسنه الألباني في "صحيح ابن ماجة" ، وقال محققو المسند:
" حديث صحيح لغيره ، دون قصة أخذ أُبي بن كعب للجذع المذكورة في آخره، فلم ترد إلا في حديث أُبيِّ، ومَداره على عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو حسن الحديث في المتابعات والشواهد، ولم يتابع على هذه القصة، ولم يرد ما يشهد لها، فهي ضعيفة.
وقد جاء في بعض شواهد الحديث أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر أن يُدفن الجذع .
رُوي ذلك في حديث أبي سعيد الخدري عند الدارمي (37) ، وابن أبي شيبة (11/486) وحديث أنس بن مالك عند الدارمي (41) ، والطحاوي في "شرح المشكل" (4179) ، وابن خزيمة (1777) ، وإسناده حسن، وحديث سهل بن سعد عند الطحاوي (4196) ، وحديث ابن عباس عند البيهقي في "الدلائل" (2/558) .
وهذه القصة أصح من قصة أخذ أُبي بن كعب للجذع، وجمع بينهما الطحاوي في "شرح المشكل" (10/390) والحافظ ابن حجر في "الفتح" (6/603) بأن أُبيّاً أخذه بعدما دفن، والأَولى تضعيف حديث عبد الله بن محمد بن عقيل لمخالفته " انتهى باختصار .
وابن عقيل هذا : قال ابن سعد : كان منكر الحديث لا يحتجون بحديثه ، قال يعقوب : صدوق وفي حديثه ضعف شديد جدا ، وكان ابن عيينة يقول: أربعة من قريش يترك حديثهم ، فذكره فيهم ، وقال أحمد: منكر الحديث ، وقال الجوزجاني: أتوقف عنه ، عامة ما يرويه غريب.
وضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وأبو حاتم وغيرهم.
انظر: "تهذيب التهذيب" (6/ 13) .
والله تعالى أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |