عنوان الفتوى : القول بأن دية الشجة الموضحة تختص بالرأس دون الوجه ليس بصحيح
شاب يتناول حشيشا يعطي شعوراً بـ High وكنت ذاهبا للعمل فرأيت هذا الشاب واسمه عبد يمسك فتى فشعرت أنه ابتزاز، فقمت بما أشعر أنه من الواجب علي وفهمت أنها حالة من الإكراه على أخذ دراجته وهو يرفض، فقلت له إن عليه أن يعطيه الدراجة، فقال لي جملة كفرية فبقيت مع الفتى ثم نزل ولكن حدث بعدها شد وجذب باليد، ثم قلت له بعد الشد والجذب أنت مطرود من المحل، فقال لي زبون إن دراجته مفقودة فقلت له اصبر، وكان عبد هو الذي أخذ الدراجة بغير إذن صاحبها، فقمت من مكاني وقلت ألم أقل لك لا تأتي؟ ومع كثير من الرد غضب وقال..... أخرج من المحل، فقلت له لن أخرج، فضربني على رأسي، فهجم أخي عليه وأصابه بخدوش كبيرة في الرقبة والوجه، ثم شاركته القتال، فجاء شاب وقال لي خنقتموه، فانتبهت لذلك وتركته وسحبت أخي، ثم جاء أخي الثالث واتصل على عمنا وقال له القصة درءاً لردة فعل فاتصلنا على أحد أقربائه وأخذنا منه عهدا بعدم الرد، ثم جاءني 3 من الشباب وقالوا لي هذا غدار، يضرب بالشفرة على الخد لتترك علامة أبدية، وفي الصباح قلت لأمي لا داعي لأن يذهب أحمد للعمل وليذهب أخي الثاني، ولكنه ذهب للشراء ولم يأخذ حذره فكان عبد مترصدا، وعندما وصل أخي فاجأه من خلفه وضربه غدراً على خده وفر، وأحدث شقاً من صيوان الأذن حتى نهاية الفك على طرف الخد 12سم، وعندما وصلني الخبر أصبت بصدمة كبيرة فنزلت إلى محلنا وقد شاهدت الشرطة وعدداً من الناس يتحلقون ورأيت أخي وقد أصابه الغضب الشديد وكان يصرخ بشدة وعندما رآني قال لي والله إن لم تقتلته فأنت جبان، فأصابتني الصدمة، لأنني فهمت أن أخي رأى الشق في خد أخيه مما يعني أن الأمر جلل، وكان أهله يحاولون الاجتماع معنا ونرفض، ثم وافقت أنا وأخي بعد أيام وجلسنا جلسة كبيرة في بيت عمي، ثم جلسنا نتشاور جميعاً واتفقنا على التحاكم إلى حكومة شرعية مكونة من أشخاص يختارهم المحافظ، ثم طلبت اللجنة أوراق محكمة وعلاج، وقالت المحكمة في الحق العام مقدار العجر 10% أبدي ثم سلم أخي جميع الأوراق المطلوبة للجنة فانعقدت بينهم لجنة لتقدير الأرش، وقد سألنا المشايخ المعتبرين فقالوا إن الأرش يصل إلى 10 آلاف دينار، وقال لي أخي إن المحكمة حددت الأرش 1100 دينار أردني منها 600 دينار وأكثر تكاليف علاجية دفعناها من قبل، وقال إن هذا مما لا يقبل، ثم قلت لهم الأرش لشق اللحم عن الوجه حتى يصل العظم مقداره خمسة أبعرة في الشرع، فقال لي أحدهم من أين جئت بهذا الكلام؟ فرد آخر قائلا صحيح، فسكت الأول، ثم قال الثاني: إن الأرش المقدر عن الرأس، فقلت له الوجه من الرأس، فقال لا، أشيروا علي، فهل نعتدي عليه؟ وما رأيكم في اللجنة وأرشها؟.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأما ما ذكره السائل من كون أرش شق لحم الوجه حتى يصل إلى العظم مقداره خمسة أبعرة، فصحيح، وأما القول بأن دية الشجة الموضحة تختص بالرأس دون الوجه، فليس بصحيح، بل قد ذهب بعض أهل العلم إلى تغليظ دية موضحة الوجه، قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء: جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: في الموضحة خمس من الإبل ـ وأجمع أهل العلم على القول به، وأجمع أهل العلم على أن الموضحة تكون في الوجه والرأس، واختلفوا في تفضيل موضحة الوجه على موضحة الرأس، فروينا عن أبي بكر، وعمر أنهما قالا: الموضحة في الوجه والرأس سواء، وقال بقولهما شريح، والشعبي، ومكحول، والزهري، والنخعي، وربيعة، وعبيد الله بن الحسن، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وروينا عن سعيد بن المسيب أنه قال: تضعف موضحة الوجه على موضحة الرأس، وقال أحمد في موضحة الوجه: أحرى أن يزاد في ديته. اهـ.
ثم إن من حق المجني عليه في الموضحة أن يقتص، جاء في الموسوعة الفقهية: الجناية على ما دون النفس قد لا تكون بالقطع والإبانة، بل بالجرح، وهو نوعان: الجراح الواقعة على الرأس والوجه، وتسمى الشجاج، والجراح الواقعة على سائر البدن، والشجاج أقسام.. منها: الموضحة، وهي التي تخرق الجلدة التي بين اللحم والعظم وتوضح العظم.. وتتصور هذه الشجة في الجبهة والرأس والخد، وفي قصبة الأنف، واللحي الأسفل ... وأما حكم هذه الشجاج: فقد اتفق الفقهاء على أن القصاص واجب في الموضحة، لقوله تعالى: والجروح قصاص ـ ولتيسير ضبطها واستيفاء مثلها، لأنه يمكن أن ينهي السكين إلى العظم فتتحقق المساواة، وقد قضى عليه الصلاة والسلام في الموضحة بالقصاص، ونص المالكية والشافعية على أنه لا يشترط في الموضحة ما له بال واتساع، فيقتص وإن ضاق كقدر مغرز إبرة. اهـ. باختصار.
إلا أن حق القصاص إنما يقوم على استيفائه وليُّ الأمر، حتى لا يكون الأمر فوضى وتنتشر الفتن، ولذلك نقول: لا تُقدِم على الاعتداء على الجاني من قبل نفسك، بل ارفع أمرك إلى المحكمة، فإن لم تمكنك من القصاص فلك أن تطالب بالتعويض حتى تأخذ حقك بما يساوي الدية، ثم نذكرك هنا بأن العفو أفضل وأحمد في العاقبة، فقد قال تعالى: وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ {المائدة: 45}.
قال السعدي: فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ ـ أي: بالقصاص في النفس، وما دونها من الأطراف والجروح، بأن عفا عمن جنى، وثبت له الحق قبله: فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ـ أي: كفارة للجاني، لأن الآدمي عفا عن حقه، والله تعالى أحق وأولى بالعفو عن حقه وكفارة أيضا عن العافي، فإنه كما عفا عمن جنى عليه، أو على من يتعلق به، فإن الله يعفو عن زلاته وجناياته. اهـ.
والله أعلم.