عنوان الفتوى : كيفية التخلص من وساوس الاستهزاء بالدين
ابتليت بوسوسة الاستهزاء والتقليل من الدين والكذب فيه والتجاهل، وأحيانا كأنني من يستدعيها فتأتي سريعا، وأنا حقيقة لا أريدها وأحس بالذنب، فهل أصلي صلاة التوبة؟ وللعلم فإنها جاءت بعد وسواس الموت.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمادمت تعلمين من نفسك الإصابة بالوسوسة، فعليك بالإعراض الكلي عن الاسترسال مع الشيطان في هذه الوساوس. واعلمي أنه لا يحصل الكفر بالوساوس مادمت كارهة لها نافرة منها، بل كراهتك لها دليل صحة إيمانك ـ إن شاء الله ـ فعليك ألا تعيري هذه الوساوس اهتماما، فإنها من الشيطان يريد أن يصدك بها عن الاستقامة، ويبعدك عن ربك تعالى ففوتي عليه تلك الفرصة، وامضي في طريق الاستقامة غير مبالية بهذه الوساوس، وأشغلي نفسك عنها بما يفيد من التعلم وحفظ القرآن، وقد نقلنا في فتاوى سابقة قول ابن حجر الهيتمي حينما سئل عن داء الوسوسة هل له دواء؟ فأجاب بقوله: له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية، وإن كان في النفس من التردد ما كان فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون، وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تخرجه إلى حيز المجانين، بل وأقبح منهم كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها. انتهى.
وأما صلاة التوبة: فهي مشروعة، لما في الحديث عن علي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنت رجلاً إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني، وإذا حدثني أحد من الصحابة استحلفته، فإذا حلف لي صدقته، قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من عبد يذنب ذنباً فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله إلا غفر الله له، ثم قرأ هذه الآية: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ. رواه أبو داود وغيره، وحسنه الحافظ في الفتح، وصححه الألباني.
وعليك بكثرة الاستعاذة من الشرك والاستغفار منه بما ثبت في الدعاء المأثور، ففي الحديث عن أبي موسى الأشعري قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئا نعلمه، ونستغفرك لما لا نعلمه. رواه أحمد، وحسنه الألباني.
وروى البخاري في الأدب المفرد عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا بكر! للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهاً آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قال: قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. وصححه الألباني.
وراجعي الفتويين رقم: 40344، ورقم: 7471.
والله أعلم.