عنوان الفتوى : حول درجة صحة حديث أبي أمامة في استجابة الدعاء عند رؤية الكعبة
(تفتح أبواب السماء ، ويستجاب الدعاء في أربعة مواطن : عند التقاء الصفوف ، وعند نزول الغيث ، وعند إقامة الصلاة ، وعند رؤية الكعبة) ما صحة هذا الحديث ؟ وهل صحيح أن بعض العلماء عمل به ؟ فقد ذكرتم في الفتوى : (11932) أنه لا دليل على إجابة الدعاء حال رؤية الكعبة ، فهل هذا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم؟
الحمد لله
أولا :
هذا الحديث ضعيف جدا لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (8/169) ، (8/171) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7240) ، من طريق الوليد بن مسلم ، عن عفير بن معدان ، عن سليم بن عامر عَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمْ، قَالَ:" تُفْتَحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ، وَيُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْمُسْلِمِ عِنْدَ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ ، وَعِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ ، وَعِنْدَ زَحْفِ الصُّفُوفِ ، وَعِنْدَ رُؤْيَةِ الْكَعْبَةِ » .
والحديث ضعفه جماعة من أهل العلم .
قال النووي في "خلاصة الأحكام" (3133) :" رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد ضَعِيف جدا " . انتهى
وضعفه ابن الملقن في "البدر المنير" (9/70) ، وابن حجر في "التلخيص الحبير" (4/188) ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (3410) :" ضعيف جدا ". انتهى
والحديث فيه علتان :
قال البوصيري في "إتحاف الخيرة المهرة" (2/343) :" رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ لِضَعْفِ عفِيرِ بْنِ مَعْدَانَ ، وَتَدْلِيسِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ ". انتهى
أما العلة الأولى : وهي " عفير بن معدان " ، فإنه مجمع على ضعفه .
قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (2851) :" عفير بن معدان: مجمع على ضعفه ، قال أبو حاتم: لا يشتغل به ". انتهى
وهو ضعيف جدا في الجملة ، وخاصة في روايته عن سليم بن عامر عن أبي أمامة ، وهذا الحديث منها .
قال أبو حاتم في "الجرح والتعديل" (7/36) :" ضعيف الحديث ، يكثر الرواية عن سليم بن عامر عن أبي أمامة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم : بالمناكير ؛ ما لا أصل له ، لا يُشْتَغَل بروايته ". انتهى
وأما العلة الثانية : فهي تدليس الوليد بن مسلم ، وهو ثقة إلا أنه يدلس تدليس التسوية ، وهو شر أنواع التدليس ، ولا يقبل حديثه إلا إن صرح بالتحديث في جميع طبقات السند ، حيث أنه قد يسقط أي ضعيف في الإسناد ، ولو لم يكن في طبقة شيوخه.
قال الحافظ ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/825) :" وأما ما روى عن ضعيف فأسقطه من الإسناد بالكلية ، فهو نوع تدليس ، ومنه ما يسمى التسوية ، وهو أن يروي عن شيخ له ثقة عن رجل ضعيف عن ثقة فيسقط الضعيف من الوسط ، وكان الوليد بن مسلم وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك ". انتهى
وقال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (9/216) :" قَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رُبَّمَا دَلَّسَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ كَذَّابِيْنَ ". انتهى
ومما سبق يتبين ضعف الحديث ، وأنه لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم .
ثانيا :
وأما قول السائل :" وهل صحيح عمل بعض العلماء به؟
فإنه قد ذكر بعض أهل العلم أن من مواطن استجابة الدعاء عند رؤية الكعبة ، مستدلين على ذلك بهذا الحديث .
ومن هؤلاء الإمام الشيرازي ، حيث قال في كتابه الشهير "المهذب" (1/402) :" وإذا رأى البيت دعا ، لما روى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تفتح أبواب السماء وتستجاب دعوة المسلم عند رؤية الكعبة " . انتهى
وقد علق الإمام النووي رحمه الله في شرحه على المهذب للشيرازي في كتابه "المجموع" (8/8) فقال :" أَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ : فَغَرِيبٌ لَيْسَ بِثَابِتٍ ". انتهى
ثالثا :
استحباب الدعاء عند رؤية البيت – دون الجزم بأن هذا من مواطن الإجابة - قال به جماعة من أهل العلم .
قال ابن قدامة في "المغني" (3/336) :" وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ ، وَابْنُ الْمُبَارَكِ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَإِسْحَاقُ. وَكَانَ مَالِكٌ لَا يَرَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْمُهَاجِرِ الْمَكِّيِّ ، قَالَ: سُئِلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنْ الرَّجُلِ يَرَى الْبَيْتَ ، أَيَرْفَعُ يَدَيْهِ؟ قَالَ: مَا كُنْت أَظُنُّ أَحَدًا يَفْعَلُ هَذَا إلَّا الْيَهُودَ ، حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ. رَوَاهُ النَّسَائِيّ.
وَلَنَا ، مَا رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ:" لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، وَاسْتِقْبَالِ الْبَيْتِ ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَعَلَى الْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ » .
وَهَذَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَاكَ مِنْ قَوْلِ جَابِر ٍ، وَخَبَرُهُ عَنْ ظَنِّهِ وَفِعْلِهِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ.
وَلِأَنَّ الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ ، وَقَدْ أُمِرَ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الدُّعَاءِ ". انتهى
واحتجوا في ذلك بما روي عن عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعا وموقوفا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ ، وَاسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ، وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَبِعَرَفَاتٍ ، وَبِجَمْعٍ وَفِي الْمَقَامَيْنِ وَعِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ »، وفي لفظ : " ترفع الأيدي في سبعة مواطن .. ".
أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (2703) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (2/176) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (11/385) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (9210) .
والحديث لا يصح مرفوعا .
وقد ضعفه البخاري في "رفع اليدين في الصلاة" (ص59) ، والبغوي في "شرح السنة" (7/99) ، والبيهقي في "السنن الكبرى" (5/117) ، والنووي في "خلاصة الأحكام" (1083) ، والألباني في "السلسلة الضعيفة" (1054) .
وقد روي موقوفا على ابن عباس رضي الله عنه ، أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2450) من طريق ابن فُضَيْل ٍ، عَنْ عَطَاءٍ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ به .
وهو ضعيف أيضا، لأجل عطاء بن السائب فإنه اختلط ، وابن فضيل ليس من قدماء أصحابه.
ومن أهل العلم من يصحح وقفه .
قال ابن القيم في "المنار المنيف" (ص138) :" وحديث وكيع عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس ، وعن نافع عن ابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ترفع الأيدي في سبعة مواطن : عند افتتاح الصلاة ، واستقبال البيت، والصفا والمروة، والموقفين، والجمرتين "، لا يصح رفعه ، والصحيح وقفه على ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ". انتهى
وقد نقل البيهقي في "معرفة السنن والآثار" (7/201) عن الشافعي فقال :
" قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ فِي الْإِمْلَاءِ: وَلَيْسَ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ شَيْءٌ أَكْرَهُهُ وَلَا أَسْتَحِبُّهُ ، عِنْدَ رُؤْيَةِ الْبَيْتِ ، وَهُوَ عِنْدِي حَسَنٌ ". انتهى
وسأل إسحاق الكوسج الإمام أحمد عن ذلك ، كما في "مسائل الكوسج" (1404) فقال :" قُلْتُ: رفعُ اليدين إذا رأى البيتَ؟
قال: ما أَحْسَنَه!
قال إسحاق بن راهويه : كما قال ولا يَدَعنَّ ذَلِكَ أحد ". انتهى
ومما سبق يتبين أن حديث أبي أمامة لا يثبت ، وأن الدعاء عند رؤية البيت فيه خلاف سائغ ، وإن كان لم يثبت فيه – بخصوصه - عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء .
والله أعلم .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |