عنوان الفتوى : أمور تقي من السحر والحسد وتدفعه بإذن الله تعالى
جارة لنا تحسدنا بالرغم من احترامنا لها، ولا نسيء إليها، وقد قامت بعمل سحر لنا، وذلك باستعمال ملابس خاصة بي بها أثر من عرقي، والعجيب: أني كنت قد رأيتها في منامي مرتين وهي تسكب علي سائلا لا علم لي به، وكنت أستيقظ فزعًا وخائفًا. نحن عائلة محافظة نحب الدين، ونقوم بما نستطيع من أعمال البر، لكننا نعاني من بعض الضيق، وعدم التفاهم، وكثرة المشاكل. منذ فترة أحسست أن شيئا ما بداخلي تغير؛ فلم أعد كما كنت فرحًا نشيطا، ومجتهدا، أصبحت أنفعل بسرعة، أنام النهار وأسهر الليل، تركت عملين بدون سبب، لم أعد أتحكم في نفسي، أحس كأن أحدًا يرغمني على فعل الأشياء، عمري 27 عاما وبدأت أحس بالملل، لم أعرض نفسي على راق رجاء الدخول في زمرة السبعين ألفا الذين لا يسترقون، حاولت قراءة سورة البقرة كل يوم لمدة أربعين يومًا فلم أستطع، حاولت مرارًا وفي كل مرة كنت أحاول فيها أرى في منامي أحلاما مفزعة، أدعو الله في صلاتي كي يبطل هذا السحر أحس أن جميع أهل بيتي مسحورون، لا أعلم ماذا أفعل؟ أفتوني -بارك الله فيكم-.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا نسأل الله لكم العافية والسلامة من كل شر، ونحذركم من اتهام الغير بالسحر من دون بينة؛ فإن ذلك محرم.
ثم إنك قد أحسنت في علاج الأمر بالدعاء في الصلاة وبقراءة سورة البقرة، ولكنا ننصحك بأن تصرف عن ذهنك موضوع السحر، فإن هذه الإخفاقات قد تحصل من دون سحر.
واعلم أن الرؤى والأحلام لا ينبني عليها شيء، فلا تجعلها دليلًا على ما ذكرته عن جارتكم.
وعلى أية حال؛ فإننا نوصيك بعلاج الأمر بالتمسك بتقوى الله تعالى، والمحافظة على الفرائض، والبعد عن المحرمات، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء، وجميع الأذكار المأثورة، فهذا أكبر وقاية من السحر والحسد، وأعظم عون على دفعه، ثم إنه يشرع لك عمل الرقية الشرعية، ولو لم تكن مسحورًا ولا محسودًا، وهي تكون بقراءة الآيات التي ذكر فيها السحر وإبطاله.
وبإمكان الإنسان المسحور أن يقرأها على نفسه أو أن يذهب إلى إنسان آخر يرقيه رقية شرعية، ولكن الأفضل رقية العبد نفسه بنفسه، وتركه طلب الرقية من الآخرين، ولا يعني ذلك أن الاسترقاء ممنوع في الشرع، ولكن الكمال هو تركه، فقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تدل على جواز الرقية، وجواز الاسترقاء، ومن ذلك قول عائشة -رضي الله عنها-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمرني أن أسترقي من العين". رواه البخاري، ومسلم. إلى غير ذلك من الأحاديث. ولا تعارض بين هذا وحديث: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب. قيل: يا رسول الله، من هم؟ قال: "الذين لا يرقون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون" رواه البخاري، ومسلم.
فالأول يدل على الجواز، والثاني يدل على فضيلة ترك ذلك اعتمادًا على قوة التوكل على الله تعالى، ورسوخ اليقين، وحمله بعضهم على ترك الاسترقاء ممن يرقي بالرقية الممنوعة؛ قال الإمام النووي -رحمه الله- في شرح مسلم:
المدح في ترك الرقى المراد بها الرقى التي هي من كلام الكفار، والرقى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يعرف معناها، فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه، أو مكروه. وأما الرقى بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه، بل هو سنة. ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين: إن المدح في ترك الرقى للأفضلية، وبيان التوكل والذي فعل الرقى، وأذن فيها لبيان الجواز مع أن تركها أفضل، وبهذا قال ابن عبد البر، وحكاه عمن حكاه، والمختار: الأول. وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تعالى قال المازري: جميع الرقى جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره، ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه، لجواز أن يكون فيه كفر... وأما قوله في الرواية الأخرى: يا رسول الله، إنك نهيت عن الرقى، فأجاب العلماء عنه بأجوبة: أحدها: كان نهى أولًا، ثم نسخ ذلك، وأذن فيها وفعلها، واستقر الشرع على الإذن.
والثاني: أن النهي عن الرقى المجهولة كما سبق.
والثالث: أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها وتأثيرها بطبعها، كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة. أما قوله في الحديث الآخر (لا رقية إلا من عين أو حمة) فقال العلماء: لم يرد به حصر الرقية الجائزة فيهما، ومنعها فيما عداهما، وإنما المراد: لا رقية أحق وأولى من رقية العين والحمة لشدة الضرر فيهما. انتهى.
وراجع الفتوى رقم: 20791، والفتوى رقم: 80694 .
والله أعلم.