عنوان الفتوى : شبهات شيعية حول الإمامة
يوجد الكثير من المسائل التي يثيرها الشيعة كثيرا ، وهي أن بما أنكم لم تجدوا آية صريحة ذكر فيها لاستخلاف النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر في حكم المسلمين ، وضبط أمرهم وتسييرهم ، تستندون للروايات ، فلماذا تطالبون بآية كريمة واضحة صريحة على ولاية علي رضي الله عنه ؟ ولكن ردا على شبهاتكم أيها المخالفين ، لقد آتيناكم على كلامكم ، وقد ذكر علي صراحة في سورة الحجر في الآية 41 : (قال هذا صراط علي مستقيم) ، والمقصود أن صراط مضاف ، وعلي مضاف إليه ، لكن حرفها أبو بكر وعمر لكي يأخذا الخلافة من علي ، ويكونا عونا لبني أمية ، الذين كان أولهم عثمان ، ثم معاوية ، ثم يزيد ، وهكذا إلى آخرهم مروان بن محمد ، ثم العباسيين ، وهذا لا داعي لإكماله ، وحتى ردكم في تبرئة عائشة أمكم نقلا عن كلام الشيعة لم تذكر صراحة في تبرئتها التي تزعمون ، بل حتى علي وأبناءه ذكروا إشارة وليس صراحة ، فما هو الرد على هذه الأقوال .
الحمد لله
أولا:
مطالبة أهل السنة للشيعة بدليل صريح وصحيح على وجوب الخلافة لعلي رضي الله عنه ؛ هو من باب الزامهم بما اعتقدوه ، فهم يعتقدون أن الإيمان بإمامة علي رضي الله عنه وذريته ركن من أركان الدين ، كالأركان الخمسة ، ولا يتم إيمان المسلم إلا بهذا الركن ، ولهذا كفروا الصحابة رضوان الله عليهم وضللوهم لأنهم يرون أنهم اغتصبوا الخلافة من علي رضي الله عنه.
قال الدكتور علي السالوس مبينا عقيدة الشيعة الإمامية في الإمامة:
" أما الشيعة الإمامية : فهم يرون أن الإمامة منصب إلهي ، يختار له بسابق علمه بعباده كما يختار النبي، ويأمر النبي بأن يدل الأمة عليه ويأمرهم باتباعه .
ويقولون إن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه بأن ينص على علي وينصبه علما للناس من بعده، وقد بلغ الرسول الكريم رسالة ربه، فلما انتقل إلى الرفيق الأعلى لم يتبع المسلمون أمر الله تعالى ولا أمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وتركوا ركنا من أركان الإيمان، ويرون أن النص بعد الإمام علي لابنه الحسن ثم للحسين ثم لابنه علي زين العابدين، ثم لابنه محمد الباقر، فابنه جعفر الصادق…
والجعفرية الاثنا عشرية ساقوا الإمامة بعد جعفر الصادق إلى ابنه موسى الكاظم، فابنه علي الرضا، فابنه محمد الجواد، فابنه علي الهادي، فابنه الحسن العسكري، فابنه محمد المهدي، القائم المنتظر الحجة، وهو الإمام الثاني عشر – خاتم الأئمة- الذي اختفى على نحو غير معروف سنة ستين ومائتين من الهجرة ، وسيظهر بعد ذلك فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا، ولا يزال الجعفرية حتى الآن في انتظار ظهوره، ويواصلون الدعوات بأن يعجل فرجه! " .
انتهى من "أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله" (ص 23 — 25).
ولما كان الشيعة ينظرون إلى منصب الإمامة بهذا الاعتقاد فيلزمهم أن يأتوا ببرهان ساطع من الشرع بذلك ، كما هي أدلة سائر أركان الإسلام من شهادتين وصلاة وصيام وزكاة وحج.
أما أهل السنة : فلا يلزمهم إقامة دليل على خلافة أبي بكر رضي الله عنه؛ لأن قضية الإمامة عندهم : هي من أمور الفقهية الفرعية ، والمسائل التكليفية التي تنظر فيها جماعة المسلمين ، فيقوموا باختيار رجل منهم ، يصلح لسياسة أمورهم ، وليس شخصا محددا ، منصوصا عليه بالوحي .
والنبي صلى الله عليه وسلم توفي ولم ينص صراحة على شخص بعينه ، يكون هو الخليفة بعده، بل ترك اختياره لجماعة المسلمين يقدمون الأصلح منهم.
قال النووي رحمه الله تعالى:
" أجمعوا على أن الخليفة إذا حضرته مقدمات الموت ، وقبل ذلك : يجوز له الاستخلاف ، ويجوز له تركه، فإن تركه فقد اقتدى بالنبي صلى الله عليه وسلم في هذا، وإلا فقد اقتدى بأبي بكر " انتهى من "شرح صحيح مسلم" (12 / 205).
فالحاصل :
أن على الشيعي المؤمن بعقيدته بوجوب خلافة علي رضي الله عنه وذريته بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم : أن يأتي بدليل واضح صريح صحيح، كما هي سنّة الشرع مع الأمور الواجبة حيث ينص عليها مبينا لها؛ كالصلاة والحج والزكاة وسائر الواجبات، لأنه لا يصح شرعا ولا عقلا أن يتم تكليف المسلمين بواجب أو تكفيرهم بتركه بمجرد تأويلات أشبه باللعب كما يفعل الشيعة وأحبارهم.
قال الله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ التوبة /115.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة وحكمه العادل: إنه لا يضل قوما بعد بلاغ الرسالة إليهم، حتى يكونوا قد قامت عليهم الحجة " انتهى من"تفسير ابن كثير" (4 / 227).
ثانيا:
قوله تعالى: قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ الحجر/41.
استدلال الشيعة بهذه الآية على أنّ كلمة (عَلَيَّ) المقصود بها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وزعمهم أن القراءة الصحيحة هي بأن تكون كلمة ( عَلَيَّ ) بكسر حرف اللام وأن يكون مضافا إليه هكذا: " صراط علِيٍّ "، هذا من تلاعبهم بكتاب الله تعالى، وتحريف كلامه تعالى لمجرد تشابه الأحرف وترتيبها بين كلمة (عَلَيَّ) واسم "عَلِي" .
وبيان بطلان كلامهم هذا من وجوه:
الوجه الأول:
أنهم بهذا القول يدّعون وجود التحريف في القرآن، وهذا قول شنيع فيه تكذيب لصريح القرآن الوارد في بداية السورة التي ادعوا التحريف فيها؛ حيث قال الله تعالى:
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ الحجر/9.
وهو مخالف لما علم من دين الإسلام بالضرورة ، أن الله جل جلاله ، قد حفظ كتابه ، كما وعد عباده بذلك ، وأن القرآن ما زال منقولا ، في كل جيل ، منذ نزل ، إلى يوم الناس هذا ، لم يحرف منه شيء ، ولا زاد ، ولا نقص .
وإن التزاموا ، وثبتوا على هذا الشبهة التافهة الباطلة : فإنهم يعترفون بذلك : أنهم يعتقدون التحريف في كلام رب العالمين ، وهو ما يتسترون به ، ويخفونه على الناس ، وينكرونه أمام العوام ، تقية ، وبعدا عن مصادمة اعتقاد العامة من المسلمين .
الوجه الثاني:
أن ادعاء تحريف أبي بكر وعمر لهذه الآية، هو قول لا يستقيم مع الواقع التاريخي؛ لأن القرآن وإن كتب في المصحف في خلافة أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما؛ إلا أنه لم يكن مشكلا بالحركات، والناس في ذلك الزمن لم يكونوا يتخذون المصحف وسيلة لتعلم القرآن وحفظه؛ وإنما كانوا يتعلمون القرآن سماعا من قرّاء الصحابة الذين تفرقوا في البلدان بسبب الفتوحات؛ وقد كان هناك جمع من الصحابة موالين لعلي رضي الله عنه أثناء حربه ضد معاوية، ولم يحفظ عن أحد منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه القراءة التي ادّعاها الشيعة .
فهل يوجد مسلم مصدق بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم يزعم أن الله حفظ الآية المحرَّفة حتى أثبتت في المصحف، وأنّ الآية الصحيحة سقطت من مصاحف المسلمين ؟!
بل الثابت عند أهل القراءات أن المروي في هذه الكلمة ( عَلَيَّ ) هما قراءتان لا غير.
القراءة الأولى: قراءة (عَلَيَّ) بمعنى إِلَيّ.
وقد ورد هذا المعنى في القرآن؛ كما في قوله تعالى:( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ) النحل /9.
وكما في قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى الليل /12 .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" ثم قال تعالى: ( إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى ، وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى )؛ قيل: معناه: إن علينا أن نبين طريق الهدى من طريق الضلال...
وقيل: المعنى: من سلك الهدى ، فعلى الله سبيله، كقوله تعالى: ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ )، وهذا قول مجاهد، وهو أصح الأقوال في الآية.
قال الواحدي: "علينا الهدى، أي: إنّ الهدى يوصل صاحبه إلى الله، وإلى ثوابه وجنته".
وهذا المعنى في القرآن في ثلاثة مواضع: ههنا، وفي "النحل" في قوله تعالى: ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ )، وفي "الحجر" قال: ( هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ).
وهو معنى شريف جليل، يدل على أن سالك طريق الهدى ، يوصله طريقه إلى الله -عز وجل- ولا بدّ " انتهى من "التبيان" (ص 104 – 106).
القراءة الثانية: قراءة (عَلِيٌّ) عند بعض القراء ، على أنها صفة للصراط أي: صراط رفيع الشأن والفضل.
وهذا كوصف القرآن؛ في قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ، وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ الزخرف /4 .
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" قال الله تعالى: ( هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ ) أي: مرجعكم كلكم إلي، فأجازيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كما قال تعالى: ( إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ).
وقيل: طريق الحق مرجعها إلى الله تعالى، وإليه تنتهي. قاله مجاهد، والحسن، وقتادة كما قال: ( وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ ).
وقرأ قيس بن عباد، ومحمد بن سيرين، وقتادة: " هَذَا صِرَاطٌ عَلِيٌّ مُسْتَقِيمٌ "، كقوله: ( وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ) أي: رفيع.
والمشهور القراءة الأولى " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4 / 535).
الوجه الثالث:
أن هذا الكذب الذي كذبوه هو حجة على الشيعة أنفسهم لو كانوا يعقلون؛ فما هو سبيل علي في مسألة الخلافة؟
فقد بايع أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ، وكان ينصح لهما .
راجع الجواب رقم: (277363)، ورقم: (147540).
وأما مصير الخلافة إلى بني أمية فقد حصل هذا بتنازل الإمام الثاني عند هؤلاء الشيعة ، وهو الحسن بن علي رضي الله عنهما ، عن الخلافة لمعاوية رضي الله عنه فيما سمّي بـ "عام الجماعة".
راجع للفائدة الجواب رقم: (171167).
ثالثا:
استدلال هؤلاء الروافض، على عدم ذكر الأئمة في القرآن صراحة، بحجّة أن عائشة رضي الله عنها في آية براءتها من الأفك في سورة "النور" لم يذكر اسمها صراحة :
فهذه ليست بحجة باحث عن الحق، وإنما كلام معاند يبحث عن أي شيء يثير به الشبهة؛ وإلا لو كان هذا الرافضي موضوعيا في بحثه عن الحق، لما تمسك بهذا ، لاختلاف القضيتين أصلا، من وجهين:
الوجه الأول:
فآية سورة النور التي نفت الإفك عن عائشة رضي الله عنها، إنما كان سبب نزولها قصة عائشة رضي الله عنها، وهذا أمر معلوم بالتواتر ، من لم يعرفه ، فلم يعرف شيئا من أحداث السيرة ، ولا من أسباب نزول القرآن . ولا خلاف في أن آيات الإفك ، نزلت في براءة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، ولذلك كان من اتهمها بما برأها الله منه كافرا ، لتكذيبه بنص القرآن .
ثم إنها ، في طي ذلك : أسست لحكم شرعي لجميع الأمة إلى قيام الساعة، في كيفية التعامل مع مثل هذه المسائل، ولهذا جاء الخطاب فيها عاما لجميع الأمة، كما هو الشأن في كثير من أحكام القرآن التي نزلت بسبب أحداث ، لم يصرح بأصحابها ، وإنما اكتفي ببيان الحكم الذي يهمّ الأمة، فالقرآن كتاب هداية وليس هو كتاب لتوثيق الأحداث التاريخية.
الوجه الثاني:
أن آية النور التي نزلت في براءة عائشة رضي الله عنها، قد صحت الأخبار مصرحة أنها نزلت في حقها رضي الله عنها، وأجمع أهل العلم على ذلك.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).
هذا وعيد من الله تعالى للذين يرمون المحصنات الغافلات -خرج مخرج الغالب -المؤمنات.
فأمهات المؤمنين أولى بالدخول في هذا من كل محصنة، ولا سيما التي كانت سبب النزول، وهي عائشة بنت الصديق، رضي الله عنهما.
وقد أجمع العلماء، رحمهم الله، قاطبة على أن من سبها بعد هذا ، ورماها بما رماها به ، بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنه كافر؛ لأنه معاند للقرآن " انتهى من "تفسير ابن كثير" (6 / 31 - 32).
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (954) .
وأما ما يستدل به الشيعة من الآيات القرآنية على وجوب إمامة علي رضي الله عنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي لا تدل بظاهر ألفاظها ولا سياقاتها على ما يقولونه، ولا يوجد دليل صحيح يؤيد ما يفسرون به هذه الآيات على غير ظاهر ألفاظها وسياقها، ولذا يلجؤون إلى الكذب وادّعاء تحريف القرآن كما فعلوا مع آية الحجر السابق ذكرها.
وسبب ضلال الشيعة هذا، هو أنهم اعتقدوا وجوب الإمامة أولا بمجرد الهوى، ثم شرعوا في البحث عن أدلة تؤيد كلامهم، فلما لم يجدوا ما ينصر باطلهم ، من صريح الأدلة ، أو ظاهرها ، وقعوا في الكذب ، وادعاء التحريف في القرآن ، ونحو هذا من المنكرات العظام.
والله أعلم.