عنوان الفتوى : هل تصح نسبة التجسيم إلى مقاتل بن سليمان ؟
هل مقاتل بن سليمان مجسم ؟ وخاصة أن له تفسيراً للقرآن .
الحمد لله
تحقيق القول في نسبة مقاتل بن سليمان إلى التشبيه، يمكن أن يلخًص في التالي:
الأول: أن بعض أصحاب المقالات نسب التجسيم إلى مقاتل بن سليمان، وحكاه أبو الحسن الأشعري عنه، وذكر عن أبي حنيفة نحو ذلك، " عَن أَبِي يوسف: إن أَبَا حنيفة ذكر عنده جهم، ومقاتل فقال: كلاهما مفرط، أفرط جهم فِي نفي التشبيه حتى قال: إنه ليس بشيءٍ، وأفرط مقاتل حتى جعل اللَّهِ مثل خلقه ".
انظر: تاريخ دمشق: (60/ 122)، تهذيب الكمال: (28/ 443)، ميزان الاعتدال: (4/ 173).
ولم يصب من جعل ظهور مقالة التشبيه على يد مقاتل، فإنها ظهرت قبله على يد السبئية والبيانية .
وقد ذكر هؤلاء أن هذه المقالة إنما ظهرت من مقاتل ، انتهاضًا منه للرد على مقالة الجهمية المعطلة النفاة .
الثاني: توقف شيخ الإسلام ابن تيمية في أن يبلغ مقاتل بن سليمان مبلغ هذا الذي نسب إليه كله، مع جزمه ببراءته من بعض ما نسب إليه من الشناعات . وفي ذلك يقول :
"وأما مقاتل فالله أعلم بحقيقة حاله. والأشعري ينقل هذه المقالات من كتب المعتزلة، وفيهم انحراف عن مقاتل بن سليمان، فلعلهم زادوا في النقل عنه، أو نقلوا عنه، أو نقلوا عن غير ثقة، وإلا فما أظنه يصل إلى هذا الحد.
وقد قال الشافعي: من أراد التفسير فهو عيال على مقاتل، ومن أراد الفقه فهو عيال على أبي حنيفة.
ومقاتل بن سليمان، وإن لم يكن ممن يحتج به في الحديث - بخلاف مقاتل بن حيان فإنه ثقة - لكن لا ريب في علمه بالتفسير وغيره، واطلاعه، كما أن أبا حنيفة وإن كان الناس خالفوه في أشياء ، وأنكروها عليه : فلا يستريب أحد في فقهه وفهمه وعلمه .
وقد نقلوا عنه أشياء يقصدون بها الشناعة عليه، وهي كذب عليه قطعا، مثل مسألة الخنزير البري ونحوها .
وما يبعد أن يكون النقل عن مقاتل من هذا الباب" منهاج السنة: (2/ 619)، وانظر: الملل والنحل، للشهرستاني: (1/ 104).
الثالث: أن بعض العلماء برأ مقاتل من نسبة التشبيه إليه، ومن هؤلاء أبو الحسن الملطي كما في التنبيه (70)، والشهرستاني في الملل: (1/ 104).
ورجح الدكتور جابر بن إدريس بن علي، في كتابه (مقالة التشبيه وموقف أهل السنة منها)، (1/ 232 - 340) = براءة مقاتل بن سليمان مما نسب إليه من التشبيه، ودلل على ذلك بأمور، منها:
1- أن حكاية التشبيه عن مقاتل إنما وقعت من خصومه، أو وقعت من بعض العلماء والأئمة من باب أنه قد حكي هذا القول عنه، لا من باب التحقق من وقوعه في تلك المقالة .
2- أن مقاتلًا برأ نفسه من ذلك، فقد ذكروا أن الخليفة سأل مقاتل بْن سُلَيْمان، فقال: بلغني أنك تشبه. فقال: إنما أقول: (قل هو اللَّه أحد. اللَّه الصمد. لم يلد ولَمْ يُولَدْ، ولَمْ يَكُنْ لَهُ كفوا أحد) فمن قال غير ذلك فقد كذب، انظر: تهذيب الكمال: (28/ 439).
3- أن كتبه التي بين أيدينا قد خلت من ذلك، فقد فسر المعية بالحفظ والتأييد، وأثبت الصفات الخبرية كذلك، وفسرها أحيانًا باللازم، فمشى على تفسير أهل السنة .
هذا، وقد ذكر الأستاذ جهاد أحمد حجاج في بحثه ( منهج الإمام مقاتل بن سليمان البلخي في تفسيره )، (ص 19)، عدة احتمالات لاتهام مقاتل بالتشبيه، ومنها:
أن يكون ذلك في وقت من حياته ثم رجع عنه، أو أن ذلك صدر من خصومه حسدًا له، غير أنا لا نرجح مثل هذه الافتراضات التي لا دليل يعضدها .
والذي يظهر أن يقال : إن كتبه التي في أيدينا : لا يظهر فيها شيء مما نقل إليه من التشبيه .
فإما أن يكون نقل خصومه والمؤرخين لهذه المقالة عنها : نقلا غير محقق .
أو أن يقال : إن غاية ما في الأمر : أن يكون قد قال بأشياء من ذلك ، لم تبلغ من الشناعة ما نقله الخصوم أو المؤرخون عنه ، ولم يبلغ من ذلك مبلغ من يترك قوله وعلمه بالكلية .
وغاية ما يكون من الاحتياط في ذلك الجانب : أن يتقى قوله في جانب الصفات ، وما يخشى منه سوء المقالة فيه ، إن وجد له شيء من ذلك في كتبه .
وما سوى ذلك من قوله في التفسير ، ومعاني القرآن : فقد درج العلماء على نقله ، والاستفادة منه فيه ، ويراجع للأهمية جواب السؤال رقم (263369).
خلاصة الجواب :
التوقف في نسبة التشبيه إلى مقاتل بن سليمان، لأن ذلك غير ظاهر في كتبه التي بأيدينا، وعليه ؛ فلا مانع من الاستفادة من تفسيره للقرآن .
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |