عنوان الفتوى : استحباب الصلاة إلى أسطوانة عائشة رضي الله عنها
دائما عند ذهابي مع أبي إلى المدينة المنورة والذهاب إلى المسجد النبوي أقوم أنا وأبي بتحري الصلاة والدعاء عند الأسطوانات، مثل: أسطوانة عائشة -رضي الله عنها- فما الحكم في ذلك؟ وأيضا ما حكم من يدعو الله، ويسأله بأن يرزقه الله شفاعة النبي يوم القيامة، ويحشره في زمرته، ويسقيه من حوضه، عند زيارة النبي، والسلام عليه في قبره؟ وما حكم تحري الدعاء في الملتزم عند الكعبة؟ وجزاكم الله خيرا.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد أحسنتم وأصبتم السنة بتحري الصلاة عند الأسطوانة المذكورة؛ فيستحب للمسلم أن يصلي في الأماكن الفاضلة التي كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى الصلاة فيها؛ فقد جاء في الصحيحين عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ، وَقَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا" قال الحافظ في الفتح: "وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُول: لَوْ عَرَفَهَا النَّاس لَاضْطَرَبُوا عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ، وَأَنَّهَا أَسَرَّتْهَا إلَى ابْن الزُّبَيْر فَكَانَ يُكْثِر الصَّلَاة عِنْدهَا" وقال النووي في شرح مسلم: "فَأَمَّا الصَّلَاةُ إِلَيْهَا فَمُسْتَحَبَّةٌ". وقال الخرشي في شرح المختصر عند قول خليل: "وإيقاع نفل به بمصلاه -عليه الصلاة والسلام-: (ش) يعني: أنه يستحب إيقاع النفل بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - في مصلاه، وهو: العمود المخلق"
والعمود المخلق هو: الأسطوانة التي تعرف بالمخلقة، وبأسطوانة المهاجرين، وبأسطوانة عائشة، كما جاء في فتح الباري شرح البخاري لابن رجب السلامي الحنبلي: "وهذه الأسطوانة الظاهر أنها من أسطوانات المسجد القديم الَّذِي يسمى الروضة، وفي الروضة أسطوانتان، كل منهما يقال: إن النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يصلي إليها: الأسطوانة المخلقة، وتعرف بأسطوانة المهاجرين؛ لأن أكابرهم كانوا يجلسون إليها ويصلون عندها، وتسمى: أسطوانة عائشة" وهي التي كان يوضع عندها الصندوق الذي فيه المصحف الإمام الذي أمسكه عثمان -رضي الله عنه- لأهل المدينة عند توزيعه المصاحف على الأمصار؛ جاء في إرشاد الساري للقسطلاني، وغيره: (التي عند المصحف) الذي كان في المسجد من عهد عثمان بن عفان -رضي الله عنه-".
أما دعاء المسلم ربه -تبارك وتعالى- أن يرزقه شفاعة نبيه -صلى الله عليه وسلم- فلا بأس به في أي مكان من المسجد.. ويتوجه إلى القبلة بدعائه إذا أراد أن يدعو، ولا يتوجه إلى القبر؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم: "واتفق الأئمة على أنه إذا دعا بمسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يستقبل قبره... وقال مالك فيما ذكره إسماعيل بن إسحاق في المبسوط، والقاضي عياض، وغيرهما: لا أرى أن يقف عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعو، ولكن يسلم ويمضي."
وأما الدعاء عند الملتزم: فقد استحبه أهل العلم، ووردت في فضله أحاديث تكلموا في سندها، لكن حسنها بعضهم بمجموعها، كالألباني -رحمه الله-، وانظر الفتويين التالية أرقامهما: 34784، 111217.
والله أعلم.