عنوان الفتوى : تفسير قوله تعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ...) آل عمران:195
هل يمكنك تقديم تفسير للآية رقم (195) من سورة آل عمران ؟
الحمد لله
هذه الآية مرتبطة بما قبلها من الآيات التي أخبر الله عز وجل فيها عن أولي الألباب ، ووصفهم سبحانه وتعالى بقوله :
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (*) رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (*) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (*) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) . آل عمران/190-194
ثم أخبر سبحانه وتعالى عن استجابته لدعائهم فقال :
(فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) آل عمران : 95 .
قال الشيخ ابن سعدي :
" أي: أجاب الله دعاءهم، دعاء العبادة، ودعاء الطلب، وقال: إني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى، فالجميع سيلقون ثواب أعمالهم كاملا موفرا، (بعضكم من بعض) أي: كلكم على حد سواء في الثواب والعقاب، (فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا) فجمعوا بين الإيمان والهجرة، ومفارقة المحبوبات من الأوطان والأموال، طلبا لمرضاة ربهم، وجاهدوا في سبيل الله.
)لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله) الذي يعطي عبده الثواب الجزيل على العمل القليل.
(والله عنده حسن الثواب) مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فمن أراد ذلك، فليطلبه من الله بطاعته والتقرب إليه، بما يقدر عليه العبد" انتهى من "تفسير السعدي" ص(162) .
وهذه الآية من الأدلة على فضل الهجرة ، وما أعده الله للمهاجرين في سبيله .
والمتحصل من كلام أهل العلم أن الهجرة تجب على من عجز عن إظهار دينه ، واستطاع الهجرة .
وأما من قدر على إظهار دينه ، فلا تجب عليه الهجرة .
وكذلك من عجز عن إظهار دينه ، وعجز عن الهجرة أيضا : فهو معذور عند الله تعالى ، مأمور بأن يقيم ما استطاع من أمر دينه ، وهو في بلد الكفر التي عجز عن الخروج منها إلى دار الإيمان ، إلى أن يجعل الله له فرجا ومخرجا ، فيحسن حاله في تلك الديار ، ويقدر على إظهار شعائر دينه ، أو ييسر له الهجرة إلى بلد يأمن فيه على نفسه ودينه .
ينظر جواب السؤال (72955) ، (13363) .
والله أعلم .