عنوان الفتوى : هل بقي خير في زمن الفتن ؟ وكيفية التحصن من الفتن ؟
هل بقي في الدنيا خير في زمن الفتن ؟ إن كان الجواب نعم أريد برهانا ، وإن كان لا أريد برهانا ، وكيف أحمي نفسي في هذا الزمان من الفتن ؟
الحمد لله
اعلمي - أرشدكِ الله - أن الخير باق في أمة النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وأنه لا تزال طائفة من هذه الأمة ظاهرين على الحق ، عاملين بهذا الخير ، داعين له إلى قيام الساعة .
فعَنْ معاوية رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ، مَا يَضُرُّهُمْ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ) رواه البخاري 7460 ومسلم (1037) ، وأمر الله هو يوم القيامة .
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
"مَثَلُ أُمَّتِي مَثَلُ المَطَرِ لَا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ".
رواه الترمذي 2869 وصححه الألباني في "الصحيحة" (2286)
قال القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله ، في بيان سبب الاشتباه على من يشتبه عليه :
" لاختصاص كل منهم بخاصية توجب خيريتها ، كما أن كل نوبة من نُوَب المطر لها فائدة في النماء ، لا يمكن إنكارها ، والحكم بعدم نفعها ؛ فإن الأولين آمنوا بما شاهدوا من المعجزات ، وتلقوا دعوة الرسول بالإجابة والإيمان ، والآخرين آمنوا بالغيب لما تواتر عندهم من الآيات ، واتبعوا الذين قبلهم بالإحسان .
وكما اجتهد الأولون في التأسيس والتمهيد ، اجتهد المتأخرون في التجريد والتلخيص ، وصرفوا عمرهم في التقرير والتأكيد ؛ فكل مغفور ، وسعيه مشكور ، وأجره موفور " انتهى، من "فيض القدير" (5/516) .
فالخير والإيمان إذا انعدما من الأرض : كان ذلك مؤذنا بقيام الساعة ، فالساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق .
فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
" لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ: اللهُ، اللهُ " ، رواه مسلم (148)
وعن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ الْمَهْرِيُّ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مَسْلَمَةَ بْنِ مُخَلَّدٍ، وَعِنْدَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الْخَلْقِ، هُمْ شَرٌّ مِنْ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، لَا يَدْعُونَ اللهَ بِشَيْءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيْهِمْ .
فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ أَقْبَلَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، فَقَالَ لَهُ مَسْلَمَةُ: يَا عُقْبَةُ، اسْمَعْ مَا يَقُولُ عَبْدُ اللهِ، فَقَالَ عُقْبَةُ: هُوَ أَعْلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ:
"لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ" .
فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: أَجَلْ، "ثُمَّ يَبْعَثُ اللهُ رِيحًا كَرِيحِ الْمِسْكِ مَسُّهَا مَسُّ الْحَرِيرِ، فَلَا تَتْرُكُ نَفْسًا فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتْهُ، ثُمَّ يَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ"
رواه مسلم (1924)
هذا هو البرهان النقلي على وجود الخير في كل الأزمنة ، وأنه لا ينقطع إلى قيام الساعة .
وأما البرهان العقلي فالحس والمشاهدة ، فلا يزال الصالحون المصلحون بيننا ، يسارعون في الخيرات ، ويبذلون الأوقات في نشرها والعمل بها ، وصور الخير والحرص على نفع الناس ، حتى في زمن الفتن ، كثيرة مشاهدة معلومة ، بحمد الله ، نسأل الله الثبات على دينه ، والازدياد مما يحب من الخيرات .
والقول بعموم الشر في زمن الفتنة ، وخلوه عن أي خير من صور التعميم السلبي الزائد overgeneralization الذي يعد في العلوم النفسية من أخطاء التفكير التشاؤمية المعيقة عن الوظائف الحياتية الأساسية unhelpful dysfunctional thoughts .
فإذا وجدت ملابسات نفسية ، أو ضغوط اجتماعية تسببت في هذا النمط من التفكير : فالواجب استشارة أخصائي نفسي لتحليل هذه الملابسات ، وتوجيهك بشأنها ، للتخلص من هذا التعميم السلبي المعيق عن الوظائف الحياتية المختلفة .
وللتعرف على كيفية تحصين نفسك في زمن الفتن ، ينظر جواب رقم (143946) ورقم (21614).
وللتعرف على كيفية الثبات على الدين في زمن الفتنة ، ينظر جواب رقم (147626).
والله أعلم