أرشيف المقالات

يا زائر البقاع، احذر من الفراغ

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
يا زائر البقاع، احذر من الفراغ

إن الحمد للهِ تعالى نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.
 
بين يدي المقال:
الفراغ الذي يعيشه كثيرٌ من الناس هو مِن الأسباب التي جعلتِ الفتنَ تزداد، والمحن تشتد.
وإلا فما معنى مَن يذهب لبقاع الله تاركًا أهله وماله وأرضه، ثم يأتي هناك وفور وصوله تراه منشغلًا بالأسواق، بين يدَيْه آلة تصوير، أو جهاز نقال، وهو يطوف في أنحاء البيت، يصور دورها وفنادقها وأحياءها، وكل ما تلمحه عينُه هناك؟!
حتى مكة المكرمة أصبح الانشغال بتصويرها أكثرَ من الانشغال بالعبادة فيها.
إن هذا الفراغ ناجمٌ عن خلوِّ قلب هؤلاء مِن تعظيمٍ للبيت ومهابة لرب البيت؛ وبالتالي فقد يكون ضررُ العبد في هذه البقاع أكبرَ من نفعه.
 
حوادث الحرمين:
مما تفشَّى وانتشر نقلُ حوادث تقع في الحرمين مِن مظاهر مشينة وفاسدة، وهي سنن لا تتغير، فليس مَن يأتي الحرمين تقيًّا ورعًا، بل هو مِن عوامِّ الناس الذين يجهلون حرمة بيت الله الحرام؛ وبالتالي فلا ضير أن يرى الحاجُّ بعض هذه المظاهر في الحرمين مِن قِبَل هؤلاء، فقد طاف الناسُ في الجاهلية عراةً، وهذا منكر شنيع، وبالتالي فالجهل في الأمة منتشر، وأهله كثير، وزائر البيت ربما تجدُه لا يصلي!
لكن ما يجب الحذرُ منه أن ينشر الحاجُّ مثلَ هذه المظاهر وينقلها ويتحدث عنها لغرض ترويجها.
 
فمثلًا: ينشر على المواقع الاجتماعية فيديو لشخص حاول حرق نفسه بالبنزين أمام الكعبة، وتداول النشطاء على هذه المواقع هذا الفيديو، والملاحظ أنه انتشر في وقت وجيز بسرعة رهيبة بلغ فيه الآفاق.
نحاول أن نتكلم قليلًا على مثل هذه الأحداث في هذه الأماكن المقدسة.
 
1- يجب أن نكونَ على علم أن مثل هذه الحوادث هي مِن سنن الله في خلقه، فتحدث حوادث حتى في مكة ذاتِها، وسيأتي يوم وتهدم الكعبة حجرًا حجرًا، لكن القواعد من البيت تبقى كما هي، وشوق الناس لمكة وحبهم لها لا يزيله مثل هذه الحوادث، ولا يزيله زوال بِناء البيت، بل يبقى راسخًا في القلوب، وتبقى مكة مهوى أفئدةِ الناسِ، حتى يرث الله تعالى الأرض ومَن عليها.
 
2- يجب ألا تُنسِيَنا هذه الأحداث مكانةَ مكة، وعظم شأنها، وأنها بيت الله تعالى، والوافدين إليها هم ضيوف الرحمن.
 
هنا أطرح سؤالًا:
أيها الحاج الفاضل، أنت ضيفٌ عند الله تعالى في بيته، فهل مِن كرم الضيافة أنك ترى في بيته - مكة المكرمة - ربما أشياء مَشِينة يقوم بها ناسٌ، إما عن جهالة أو لحاجة في صدورهم، ثم تنقلها وتنشرها، رأينا في مكة كذا وكذا من الأشياء التي تسيء لحرمة بيت الله تعالى؟!
وسمعت شخصًا لا يصلي يقول: سمعنا أن في مكة منتشرًا كذا وكذا من الفسوق، مستهينًا بحرمة البيت، وهذا ما يجعله يقيم على ما هو فيه من فجورٍ وضلال.
 
ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا: فلا تكن أيها الحاج يدًا في نشر هذه الفتن وإبعاد الناس عن دينهم، وصدهم عن المسجد الحرام، وهو من كبائر الذنوب والمعاصي.
 
اعرِفْ كرمَ الضيافة: أيها الحاج الفاضل، هل يا ترى إذا دعوتُك يومًا واستضفتُك في بيتي، وقمتُ بخدمتك وأحسنتُ كرمَ ضيافتك، ثم لمحَتْ عيناك في بيتي ما تكرَهُه، هل مِن الحكمة ومِن العقل ومِن الدين - وحتى من الإنسانية - أن تخرج خارج البيت وتنقل ما رأَتْه عيناك حتى ولو كان منكرًا؟!
 
ربما أغضبتَني وأرغمتَني على ألَّا أدعوَك مرة أخرى لضيافتي.
 
هكذا أيها الأحباب بيتُ الله الحرام، فالذي ناداك لزيارةِ هذا المكان هو الله تعالى، حتى يمنَّ عليك بكرم الضيافة، فمَن حجَّ ولم يرفُثْ رجع كيومَ ولدَتْه أمه، فاحذَرْ أن ترى بعض ما تكره هناك، وتأتي وتنشره وتخون اللهَ تعالى في أقدس بقاعه، فلربما أبطل حجَّك، وكتب ألا يدعوَك لزيارته في بيته حتى تلقاه!
 
وصدق نبي الله نوحٌ عليه السلام حين دعا بالمغفرةِ لمَن دخل بيته مؤمنًا؛ لأن المؤمن مَن أمِنَه الناسُ في جميع أمورهم وأحوالهم، كاتم السر، طيِّب القلب، غاض البصر، تقي ورع.
 
حجاج بيت الله، إن نقل هذه الحوادث التي تنقص من مهابةِ البيت في قلوب الناس من الإلحادِ بظلمٍ، وصاحبه على خطر عظيم، قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25].
 
3- مِن خلال هذا يتبيَّن فتوى العلماء عليهم رحمة الله بحرمة التصوير في الحرمين خاصة؛ لأن مِن الناس مَن لا يتورَّع ولا يتقي الله تعالى في هذه البقاع، فينقل صورًا لا تليق بحرمة هذه البقاع، ثم ينشرها دون خوف ولا وَجَل، فيتناقلها الناس، ومنهم مَن ينشرها على شبكات التواصل، فيراها الناس قاطبةً مِن عرب وعجم، ومعظم الناس إيمانُهم ضعيف أو مَن لا إيمان في قلبه ممَّن لا يدينون بالإسلام، فيقع في قلوبهم ريبٌ وشك، فتضعف مهابة البيت في قلوبهم، وتضعف رغبتهم في زيارته، وهذا واللهِ ما يسعى اليهود اليوم لتحقيقه.
 
ففي أحدِ مؤتمراتهم الحاقدة التي تنعقد من أجلِ النظر في أحوال المسلمين، قالوا: لا يزال ثمة أمرٌ يبقى يجمعُ المسلمين ويضمهم ويوحدهم، وهو الحج، فينبغي علينا جميعًا أن نكثف النشاط والعمل على محاربته بتسخير كل ما لدينا من إمكانات.
 
واليوم نرى كيف يُحاوِلون خلق البلابل والقلاقل حول أمنِ البيت، والناس قديمًا وحديثا تَهْوِي قلوبُهم للبيت الحرام، للأمن الذي أنعم الله به على أهله، ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3، 4]، فإذا استطاع اليهودُ زعزعةَ أمنِ الحرمينِ، فقد حقَّقوا أكبر هدف، وبعدها سوف يستدرجون المسلمين لِما هو أكبر.
 
وبالتالي، فنحن بجهلنا وعدم فِقْهِنا بما يدور مِن حولنا من المكايد التي تُدبِّرها أيدي اليهود لضرب الإسلام من جذوره، نكون يدَ عونٍ لهم.
 
الأخذ بالقوة: لذلكم يجب على السُّلطات في هذه البقاع المقدَّسة ألا تتساهل في هذا الأمر، وعليها أن تسنَّ قوانين صارمة، فأمنُ الله تعالى في هذه البقاع يتحقق بتضافر الجهود، والعمل ليلَ نهارَ على إبقاء أمن الحرمين.
ولتأخذ بقوة على يدِ مَن يخالف هذه القوانين، فلا تأخذهم في دين الله لومةُ لائم؛ للمحافظة على أطهر بقاع الله تعالى مِن أن تمتد إليها يد اليهود وأعوانهم، الذين حرَّم الله عليهم هذه البقاع، واستطاعوا أن يدخلوها بأفكارهم ووسائلهم، وحتى بأعوانهم.
اللهم زِدْ بيتك هذا تشريفًا وتعظيمًا وتكريمًا، وبرًّا ومهابةً، وزِدْ مَن شرَّفه وعظمه ممَّن حجه واعتمره تعظيمًا وتشريفًا وبرًّا ومهابةً.
اللهم وفِّق ولاةَ أمرِ الحرمين لنشر الأمن والطمأنينة في هذه البقاع، واحفَظْهم وقَوِّ سواعدهم.
اللهم مَن أراد ببيتك الحرام فتنة فرُدَّ كيده في نحره، واشغله في نفسه وأهله.
اللهم نسألك حجًّا لبيتك ولكل مؤمن ومؤمنة من عبادك.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١