عنوان الفتوى : التجسس...نظرة شرعية واقعية

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

أنا اسمي شهاب، أمنية حياتي أن أصبح ضابطا بالمخابرات ولكني علمت أن بعض ضباط المخابرات يأمرونهم بوضع قرص سيانيد معهم حتى إذا ماتم القبض عليهم من قبل جهة أخرى يبتلع القرص فيموت في الحال حتى لا يتعرض لتعذيب ويضطر أن يبوح بالأسرار التي يعلمها .

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فعلى المسلم أن يكون ذا همة عالية وقصد رفيع لا يرضى بالدون ولا يشتغل بسفاسف الأمور عن معاليها، بل عليه أن يرسم لنفسه هدفاً عظيماً كأن يكون عالماً بشرع الله يهتدي على يديه الخلق الكثير ليحظى بالأجر العظيم الذي أخبر به الصادق المصدوق حيث قال: إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرضين حتى النملة في جحرها حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير. رواه الترمذي وغيره، أو يكون طبيباً أو مهندساً.. ونحو ذلك.
أما هذه المهنة التي أشار إليها السائل ففيها من المحاذير الشرعية الكثير والكثير.. وذلك أن عمل المخابرات قائم غالباً على التجسس وقد نهى الشرع عن ذلك أشد النهي، قال تعالى: وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً [الحجرات:12].
وثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تباغضوا وكونوا إخوانا.....
وفي الآدب المفرد للبخاري من حديث معاوية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إنك إذا اتبعت الريبة في الناس أفسدتهم فإني لا أتبع الريبة فيهم فأفسدهم. وفي سنن أبي داود ومسند أحمد ومستدرك الحاكم ومعجم الطبراني من حديث جبير بن نفير وكثير بن مرة وعمر بن الأسود والمقدام بن معدي كرب وأبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم.
وفي سنن البيهقي من حديث عبد الرحمن بن عوف: أنه حرس مع عمر ليلة بالمدينة، فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط، فقال عمر رضي الله عنه، وأخذ بيد عبد الرحمن فقال: أتدري بيت من هذا؟ قلت: لا، قال: هذا بيت ربيعة بن أمية بن خلف وهم الآن بشرب، فما ترى؟ قال عبد الرحمن: أرى قد أتينا ما نهى الله عنه "ولا تجسسوا" فقد تجسسنا، فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم.
وفي المصنف لابن أبي شيبة عن زيد بن وهب قال: أتى ابن مسعود فقيل له: هذا فلان تقطر لحيته خمراً، فقال عبد الله: إنا قد نهينا عن التجسس، ولكن إن يظهر لنا منه شيء نأخذه به.
فإذا كان الشرع قد نهى عن التجسس على أهل المعاصي ما لم يظهروا ذلك ويصروا عليه.. فالتجسس على أهل الإيمان والصلاح ومتابعة تحركاتهم وسكناتهم والسعي في الوقيعة بهم أكثر إثماً وأشد قبحاً.
ولذا فلا يجوز العمل في التجسس إلا إذا كان على الكفار ودولهم ومعرفة مكائدهم وكيدهم للإسلام وأهله فيجوز ذلك بل قد يكون من القربات والطاعات، لكن العمل بذلك لا يبيح الانتحار بحال، بل فعل ذلك من أعظم الجرائم وأكبر الذنوب كما هو مبين في الفتوى رقم:
22619.
والله أعلم.