عنوان الفتوى : هل تخصم نفقات الزرع ومؤنته من الزكاة ؟
أريد أن أسال عن زكاة محصول العدس والكمون ، حيث سمعت بعض الفتاوى عن عدم وجوب الزكاة في الكمون ، وفي حال وجوب الزكاة ، فما هي نسبة الزكاة من المحصول في حال كانت الزراعة بعلية ، علما أنه يترتب عند زراعة الكمون والعدس مصاريف تنظيف الأرض من الأعشاب الضارة ، وهذه المصاريف غير موجودة عند زراعة القمح والشعير ؟
الحمد لله.
أولا:
اختلف أهل العلم فيما تجب فيه الزكاة مما يخرج من الأرض .
فقيل : إن الزكاة لا تجب إلا في القوت ، إذا كان مكيلا مدّخرا – وهو مذهب مالك والشافعي .
والقول الثاني : أن الزكاة تجب في كل خارج من الأرض ، مما يقصد بزراعته نماء الأرض – وهو قول الحنفية .
فتجب عندهم في الخضار والفواكه ، والأبازير وغيرها .
والقول الثالث : أن الزكاة تجب في كل حب أو ثمر ، يكال ويدخر ، كالقمح والزبيب، ولا يشترطون أن يكون قوتا، فتجب في الأبازير كالكمون واليانسون والكسبرة، كما تجب في القمح والشعير، وغيرها – وهذا مذهب الحنابلة .
ينظر " حاشية محققي الروض المربع " (3/79).
قال في "كشاف القناع" (2/ 203): " (تجب الزكاة في كل مكيل مدخر) لقوله - صلى الله عليه وسلم - ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ؛ فدل على أن ما لا يدخله التوسيق : ليس مرادا من عموم الآية والخبر، وإلا لكان ذكر الأوسق لغوا ، ولأن غير المدخر لا تكمل فيه النعمة ، لعدم النفع به مآلا ، (من قوت) ، كالحنطة والشعير والأرز والدخن ، (وغيره) : أي غير القوت، مما يأتي بيانه.
(فتجب) الزكاة (في كل الحبوب: كالحنطة والشعير والسُّلت)... (والعدس والماش والتُّرمس)... وأبازير القِدْر، كالكزبرة والكمون والكرويا والشونيز) يقال له: الحبة السوداء" انتهى.
وهذا القول الأخير هو الراجح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ) ، والوَسق : ستون صاعا ، فما لا يوسق ولا يكال ؛ لا زكاة فيه ، وما لا يدخر لا تكمل فيه النعمة ، لعدم النفع به مآلا .
وعموم الأحاديث يدل على وجوبها في القوت وغيره ما دام مكيلا ، ينظر جواب السؤال : (99843) ، (99164) .
وعليه : فالزكاة واجبة في العدس والكمون ، لأنهما حب يكال ويدخر، والعدس قوت، والكمون ليس بقوت.
ثانيا:
الواجب في زكاة الخارج من الأرض : العشر ، أو نصفه ، بحسب طريقة السقي.
وفي "الموسوعة الفقهية" (23/ 288): "فالعشر اتفاقا فيما سقي بغير كلفة، كالذي يشرب بماء المطر أو بماء الأنهار سيحا، أو بالسواقي دون أن يحتاج إلى رفعه غرفا أو بآلة ، أو يشرب بعروقه ، وهو ما يزرع في الأرض التي ماؤها قريب من وجهها ، تصل إليه عروق الشجر ، فيستغني عن السقي.
ويجب فيما يسقى بكلفة : نصف العشر، سواء سقته النواضح ، أو سقي بالدوالي، أو السواني أو الدواليب أو النواعير أو غير ذلك.
وكذا لو مد من النهر ساقية إلى أرضه فإذا بلغها الماء احتاج إلى رفعه بالغرف أو بآلة. والضابط لذلك : أن يُحتاج في رفع الماء إلى وجه الأرض إلى آلة أو عمل.
واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف العشر) .
والحكمة في تقليل القدر الواجب ، فيما فيه عمل : أن للكلفة أثرا في تقليل النماء.
ولو احتاجت الأرض إلى ساق يسقيها بماء الأنهار أو الأمطار، ويحول الماء من جهة إلى جهة، أو احتاجت إلى عمل سواق ، أو حفر أنهار : لم يؤثر ذلك في تقليل النصاب.
وإن سقيت الأرض نصف الوقت بكلفة ، ونصفها بغير كلفة : فالزكاة ثلاثة أرباع العشر اتفاقا.
وإن سقيت بأحدهما أكثر من الآخر : فالجمهور على اعتبار الأكثر، ويسقط حكم الأقل، وقيل: يعتبر كل منهما بقسطه" انتهى.
ثالثا:
ما ينفقه الزارع في تسوية الأرض أو تنظيفها : لا يؤثر في الزكاة، فيجب العشر أو نصفه ، كما سبق .
إلا أن الحنابلة ذهبوا إلى أن النفقة على الزرع إن كانت دينا: يُسقطها مالكه منه قبل احتساب العشر .
قال أحمد: من استدان ما أنفق على زرعه ، واستدان ما أنفق على أهله : احتسب ما أنفق على زرعه ، دون ما أنفق على أهله.
وينظر: "المغني" (3/ 30)، "الموسوعة الفقهية" (23/ 288).
وهذه أقوال المذاهب:
1-قال المرغيناني الحنفي في "الهداية" : " (وكل شيء أخرجته الأرض مما فيه العشر ، لا يحتسب فيه أجر العمال ، ونفقة البقر) ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة؛ فلا معنى لرفعها" انتهى من "فتح القدير على الهداية" (2/ 250).
2-وقال الحطاب المالكي في "مواهب الجليل" (2/ 285): " يحسب عليه جميع ما استأجر به ، في حصاده ودراسه وجداده ، ولقط الزيتون : فإنه يحسب ، ويزكي عليه ؛ سواء كان كيلا معينا، أو جزءا ، كالثلث والربع ونحوه" انتهى.
3-وقال النووي الشافعي في "المجموع" (5/ 450): " قال أصحابنا : ومؤنة تجفيف التمر وجذاذه، وحصاد الحب وحمله ودياسه وتصفيته وحفظه ، وغير ذلك من مؤنة : تكون كلها من خالص مال المالك ، لا يحسب منها شيء من مال الزكاة بلا خلاف , ولا تخرج من نفس مال الزكاة , فإن أخرجت منه : لزم المالك زكاة ما أخرجه من خالص ماله . ولا خلاف في هذا عندنا" انتهى.
4-وقال ابن قدامة الحنبلي في "المغني" (3/ 18): " والمؤنة التي تلزم الثمرة إلى حين الإخراج على رب المال؛ لأن الثمرة كالماشية، ومؤنة الماشية وحفظها ورعيها، والقيام عليها إلى حين الإخراج، على ربها، كذا هاهنا" انتهى.
وينظر فتوى الشيخ ابن باز رحمه الله في جواب السؤال رقم : (146142) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
لدي مزرعة مغروسة بأشجار الزيتون، وتسقى بماء السماء، والمعلوم أن زكاتها عشرية، لكن هذه المزرعة لها تكاليف ، من حراثة وسماد وقطاف. . إلخ، ربما يبلغ ربع إنتاجها، فهل تكون الزكاة على مجمل الإنتاج ؟ أم تخصم التكاليف من الإنتاج وتخرج الزكاة؟
فأجابوا :
"في وجوب الزكاة للزيتون خلاف، والأحوط لك إخراج الزكاة عنه ، إذا بلغت الثمرة نصابا ، وهو خمسة أوسق، والوسق ستون صاعا بصاع النبي صلى الله عليه وسلم .
ومقدار الزكاة عشر الثمرة .
وأما التكاليف : فإنها لا تخصم من الثمرة ؛ بل يزكى جميع الثمرة.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز" .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة ، المجموعة الثانية" (8/51) .
والحاصل :
أنه لا فرق بين الكمون والعدس والقمح والشعير، فيجب إخراج العشر أو نصفه، بحسب السقي.
ولا يلتفت للمصاريف التي توضع في تنظيف الأرض ، أو وقود الماكينات، أو أجرة الحرث والسقي ونحو ذلك .
والله أعلم.