عنوان الفتوى : حول صحة أثر [ كل مصيبة بعدك جلل]

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ما صحة هذه القصة ؟ روى الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه. أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وزوجها وأخوها وابنها في غزوة أحد فقالت ما فعل رسول الله قالوا أمامك..[فقالت بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب] وفي السيرة النبوية لابن هشام والبداية والنهاية لابن كثير عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه. أنها امرأة من بني دينار أصيب زوجها وأخوها وأبوها في أحد.. قالت، ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا خيرا يا أم فلان هو بحمد الله كما تحبين ،قالت أرونيه حتى انظر إليه. فأشير لها حتى إذا رأته قالت [ كل مصيبة بعدك جلل] هل لهذا الأثر إسناد متصل صحيح ؟

مدة قراءة الإجابة : 8 دقائق

الحمد لله

هذا الحديث ضعيف لأنه مرسل .

أخرجه الطبري في "تاريخه" (2/532) ، وابن المنذر في "تفسيره" (907) ، والبيهقي في "دلائل النبوة" (3/301) ، جميعا من طريق محمد بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْن ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي دِينَارٍ فَقَدْ أُصِيبَ زَوْجُهَا وَأَخُوهَا يَوْمَ أُحُدٍ ، فَلَمَّا نُعُوا لَهَا ، قَالَتْ: مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَا أُمَّ فُلَانٍ ، فَقَالَتْ: أَرُونِيهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ ، فَأَشَارُوا لَهَا إِلَيْهِ حَتَّى إِذَا رَأَتْهُ قَالَتْ: كُلُّ مُصِيبَةٍ بَعْدَكَ جَلَلٌ ".

والحديث بهذا الإسناد مرسلٌ حسنٌ إلى إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص .

وذلك لأن فيه محمد بن إسحاق بن يسار ، وحديثه حسن إذا صرح بالتحديث كما هو معلوم ، وقد صرّح هنا بالتحديث .

وفيه عبد الواحد بن أبي عون : وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، والبزار ، والدارقطني ، وقال النسائي : " لا بأس به " ، وقال ابن حبان يخطئ . كذا في "تهذيب التهذيب" (6/438).

وأما إسماعيل بن محمد بن سعد فثقة ثبت ، قال ابن معين : " ثقة حجة " . كذا في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (1/329) ، إلا أن حديثه مرسل ، فإنه من طبقة التابعين .

وقد ورد الحديث منقولا في عدة مصادر وفي إسناده تصحيف وجب التنبيه عليه .

 حيث جاء الحديث في المطبوع من "تفسير ابن المنذر" (907) هكذا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد عن سعد بن أبي وقاص به .

وهو تصحيف ، حيث تمت مراجعة المخطوط (84/ب) فإذا هو على الجادة كما ذكرنا : عن عبد الواحد بن أبي عون عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص به .

وكذلك ذكره ابن هشام في "السيرة" (2/99) فقال :" قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدٍ ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، قَالَ .. ثم ساق الحديث

فجعله من رواية إسماعيل بن محمد عن جده سعد بن أبي وقاص .

وأورده ابن كثير كما في المطبوع من "السيرة النبوية" (3/93) فقال : قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبى عون ، عَن إِسْمَاعِيل ، عَن مُحَمَّد ، عَن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ به .

فجعله هكذا : عن إسماعيل بن محمد بن أبي وقاص ، عن أبيه محمد ، عن جده سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه .

والراجح - والله أعلم - أن ما جاء في سيرة ابن هشام ، وسيرة ابن كثير تصحيف ، وأن الصواب أنه من رواية عبد الواحد بن أبي عون ، عن إسماعيل بن محمد به مرسلا ، وذلك لما يلي :

أولا : أن كتاب "السيرة النبوية لابن كثير" مأخوذ من البداية والنهاية ، وعند مراجعة "البداية والنهاية" (4/225) التي راجعها الدكتور بشار عواد والشيخ عبد القادر الأرناؤوط  وجدنا إسناد الحديث كما هو عند الطبري والبيهقي ، وليس كما هو منقول في "سيرة ابن كثير ".

ثانيا : أن الإمام الذهبي نقله في "تاريخ الإسلام" (2/217) عن ابن إسحاق عن عبد الواحد عن إسماعيل به مرسلا ، كما هو عند الطبري والبيهقي ، فهذا يؤكد أن ما سوى ذلك تصحيف من النساخ .

وعلى هذا فيبقى الحديث على ما تقدم من أنه مرسل حسن .

وللحديث شاهد لا يُفرح به ، أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (7499) من طريق محمد بن شعيب عن عبد الرحمن بن سلمة الرازي ، وأخرجه أبو نعيم في "حلية الأولياء" (2/71) من طريق محمد بن حميد الرازي ، كلاهما عن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَغْرَاءَ ، قال أَخْبَرَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ حَاصَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَيْصَةً وَقَالُوا: قُتِلَ مُحَمَّدٌ حَتَّى كَثُرَتِ الصَّوَارِخُ فِي نَوَاحِي الْمَدِينَةِ فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَاسْتُقْبِلَتْ بِأَخَيهَا وَابْنِهَا وَزَوْجِهَا وَأَبِيهَا لَا أَدْرِي بِأَيِّهِمُ اسْتُقْبِلَتْ أَوَّلًا فَلَمَّا مَرَّتْ عَلَى آخِرِهِمْ قَالَتْ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَخُوكِ وَأَبُوكِ وَزَوْجُكِ وَابْنُكِ قَالَتْ: مَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ: أَمَامَكَ حَتَّى ذَهَبَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَتْ بِنَاحِيَةِ ثَوْبِهِ ثُمَّ جَعَلَتْ تَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ لَا أُبَالِي إِذَا سَلِمْتَ مَنْ عَطِبَ .

وإسناده ضعيف جدا ، لما يلي :

أما طريق الطبراني ففيه : محمد بن شعيب التاجر ، ترجم له أبو نعيم الأصبهاني في "تاريخ أصبهان" (2/222) وقال :" يَرْوِي عَنِ الرَّازِيِّينَ بِغَرَائِبَ ". اهـ . وحديث هذا من روايته عن الرازيين .

 وفيه عبد الرحمن بن سلمة الرازي وهو " مجهول الحال " ، حيث ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (5/241) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، ولذا لم يعرفه الذهبي كما في "تاريخ الإسلام" (438) .

وأما طريق أبي نعيم الأصبهاني ففيه محمد بن حميد الرازي ، وهو كذاب ، كذبه أبو زرعة الرازي كما في "المجروحين" لابن حبان (2/304) ، وهو به أعلم فهو رازي مثله .

وختاما : فالحديث مع شهرته مرسل .

هذا مع التنبيه إلى أن العلم يتساهلون في أمر الأسانيد ، في أبواب السير والمغازي والتواريخ : ما لا يتساهلون في غيرها . فتذكر المراسيل ونحوها في هذه الأبواب للاعتبار ، لا سيما إذا اشتهرت عند أهل الفن – السير والمغازي – وتواردوا على ذكرها في كتبهم .

وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم (255686).

والله أعلم .