عنوان الفتوى : المقصود برفع الأيدي إلى السماء عند الدعاء، وبيان خطا تأويل الاستواء بالاستيلاء

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

الله عز وجل في السماء، على ‏العرش استوى. ‏ ما جواب من يقول: إن الأرض ‏تدور، فإذا رفع الإنسان يده إلى جهة ‏السماء يدعو، أو يشير بسباته، فقد ‏تكون هذه الجهة التي يشير إليها ‏ليست السماء؛ لدوران الأرض؟ ‏أيضا هناك من يفسر الاستواء ‏بالاستيلاء، فإن قيل له: الاستيلاء ‏فيه مغالبة، ولا يصح تفسير ‏الاستواء به. قال القهر أيضا فيه ‏مغالبة، وهو القاهر فوق عباده.‏ ‏ فما وجه التفريق بين القهر، ‏والاستيلاء؟

مدة قراءة الإجابة : 10 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فقد سبق في الفتوى رقم: ‏‏6707 بيان الأدلة على علو الله ‏سبحانه، وأنه فوق عرشه.
كما قد نقلنا نصوص الأئمة في ‏مسألة الاستواء، في الفتوى رقم: ‏‏66332.
وأما رفع أيدينا إلى السماء عند ‏الدعاء، فإنما نقصد بذلك جهة العلو، ‏لا جهة بعينها من الجهات الست.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "لا ‏يجوز أن يكون التوجه إلى الله إلا ‏إلى العلو، مع كونه على عرشه، ‏مباينا لخلقه، وسواء قدر مع ذلك أنه ‏محيط بالمخلوقات -كما يحيط بها إذا ‏كانت في قبضته- أو قدر مع ذلك أنه ‏فوقها من غير أن يقبضها، ويحيط ‏بها، فهو على التقديرين يكون فوقها ‏مباينا لها..."
وقال أيضا: "وإنما تنشأ الشبهة في ‏اعتقادين فاسدين: أحدهما: أن يظن أن العرش إذا كان ‏كريا، والله فوقه، وجب أن يكون الله ‏كريا، ثم يعتقد أنه إذا كان كريا ‏فيصح التوجه إلى ما هو كري ... ‏من جميع الجهات. وكل من هذين ‏الاعتقادين خطأ، وضلال؛ فإن الله مع ‏كونه فوق العرش، ومع القول بأن ‏العرش كري .... لا يجوز أن يظن ‏أنه مشابه للأفلاك في أشكالها؛ كما ‏لا يجوز أن يظن أنه مشابه لها في ‏أقدارها، ولا في صفاتها -سبحانه ‏وتعالى عما يقول الظالمون علوا ‏كبيرا-، بل قد تبين أنه أعظم وأكبر ‏من أن تكون المخلوقات عنده بمنزلة ‏داخل الفلك، في الفلك. وإنها عنده ‏أصغر من الحمصة، والفلفلة ونحو ‏ذلك في يد أحدنا. فإذا كانت الحمصة، ‏أو الفلفلة، بل الدرهم والدينار، أو ‏الكرة التي يلعب بها الصبيان ونحو ‏ذلك في يد الإنسان، أو تحته أو نحو ‏ذلك، هل يتصور عاقل إذا استشعر ‏علو الإنسان على ذلك، وإحاطته به ‏أن يكون الإنسان كالفلك؟ والله -ولله ‏المثل الأعلى-أعظم من أن يظن ذلك ‏به، وإنما يظنه الذين {وما قدروا الله ‏حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم ‏القيامة والسماوات مطويات بيمينه ‏سبحانه وتعالى عما يشركون}. وكذلك " اعتقادهم الثاني " : وهو ‏أن ما كان فلكا، فإنه يصح التوجه ‏إليه من الجهات الست، خطأ باتفاق ‏أهل العقل، الذين يعلمون الهيئة؛ ‏وأهل العقل الذين يعلمون أن القصد ‏الجازم يوجب فعل المقصود بحسب ‏الإمكان. فقد تبين أن كل واحد من ‏المقدمتين خطأ في العقل، والشرع ‏وأنه لا يجوز أن تتوجه القلوب إليه ‏إلا إلى العلو، لا إلى غيره من ‏الجهات على كل تقدير يفرض من ‏التقديرات .... سواء كان محيطا ‏بالفلك كري الشكل، أو كان فوقه من ‏غير أن يكون كريا، سواء كان ‏الخالق -سبحانه- محيطا بالمخلوقات ‏كما يحيط بها في قبضته، أو كان ‏فوقها من جهة العلو منا التي تلي ‏رؤوسنا دون الجهة الأخرى. فعلى ‏أي تقدير فرض، كان كل من مقدمتي ‏السؤال باطلة، وكان الله تعالى إذا ‏دعوناه إنما ندعوه بقصد العلو دون ‏غيره، كما فطرنا على ذلك" اهـ ‏بتصرف.
ولمزيد الفائدة يمكنك مراجعة ‏الرسالة العرشية لشيخ الإسلام ابن ‏تيمية، وهي موجودة ضمن مجموع ‏الفتاوى.‏
وأما بخصوص تفسير الاستواء ‏بالاستيلاء، فلا يصح في حقه ‏سبحانه.‏
‏ فقد نقل ابن القيم عن الحسين بن ‏أحمد قوله: أن الاستواء بمعنى ‏الاستيلاء، لا يكون عند العرب إلا ‏بعد أن يكون ثم مغالب يغالبه، فإذا ‏غلبه وقهره قيل قد استولى عليه، ‏فلما لم يكن مع الله مغالب، لم يكن ‏معنى استوائه على عرشه استيلاء ‏وغلبة، وصح أن استواءه عليه هو ‏علوه وارتفاعه عليه بلا حد، ولا ‏كيف، ولا تشبيه. اهـ.
وروى الحسن بن محمد الطبري، ‏عن أبي عبد الله نفطويه النحوي ‏قال: أخبرني أبو سليمان، قال: كنا ‏عند ابن الأعرابي، فأتاه رجل فقال: ‏يا أبا عبد الله، ما معنى: (الرحمن ‏على العرش استوى)؟ قال: إنه ‏مستو على عرشه كما أخبر، فقال ‏الرجل: إنما معنى استوى استولى. ‏فقال له ابن الأعرابي: ما يدريك، ‏العرب لا تقول استولى فلان على ‏الشيء حتى يكون له فيه مضاد، ‏فأيهما غلب قيل: قد استولى عليه، ‏والله تعالى لا مضاد له، فهو على ‏عرشه كما أخبر. حاشية ابن القيم ‏على سنن أبي داود. وانظر الفتوى ‏رقم: 52741
ولا يلزم نحو ذلك في القهر؛ إذ لا ‏يستلزم وجود مغالب، بل الموجودات ‏كلها مقهورة تحت تسخيره، ‏وخاضعة له سبحانه بأصل الخلقة، ‏إيجادا وإعداما، فهو سبحانه قد قهر ‏الموجودات، والمعدومات أيضا، مع ‏أنه لا يتصور منازعتها لله تعالى.

  ‏جاء في تفسير السراج المنير: أمّا ‏قهره للمعدوم، فبالتكوين والإيجاد، ‏وأمّا قهره للموجود فبالإفناء ‏والإفساد بنقل الممكن من العدم إلى ‏الوجود تارة، ومن الوجود إلى العدم ‏أخرى، ويقهر النور بالظلمة، ‏والظلمة بالنور، والنهار بالليل، ‏والليل بالنهار، إلى غير ذلك من ‏ضروب الكائنات وصنوف الممكنات. اهـ.

والله أعلم.‏