عنوان الفتوى : عقوبة اللواط وكلام ابن القيم في حق من وقع فيه ثم تاب

مدة قراءة السؤال : 3 دقائق

والدي متوفى، وحدث لي تحرش ‏جنسي في صغري، من رجل كبير ‏في السن. فعندما بلغت، أصبحت ‏ميولي الجنسية لنفس جنسي، ولا ‏أجد أي شهوة للنساء بل–اعذروني ‏على وصفي–أقرف منهن جنسيا، ‏ولكني أميل جنسيا، وعاطفيا لكبار ‏السن فقط؛ لكي أعوض فقدان أبي، ‏ولكن رغم هذا لم أفعل فاحشة ‏اللواط، والله ولا مرة في حياتي، من ‏شدة خوفي من الله.‏ ‏ ذهبت للدكتور النفسي، وكان ‏يستغلني، ويريد إقامة علاقة جنسية ‏معي، وأمرني بأن لا أخبر عائلتي عن ميولي، ‏وأني أتعالج عنده. فتركت العيادة ‏كلها، رغم أنه حاول فضحي بين ‏بعض أصدقائي، ولكن الحمد الله لم ‏يصدقه أحد.‏ ‏ سؤالي:‏ ‏1-‏كان هذا الطبيب وغيره ‏يحتقرني، وينظر لي كأني أقل ‏منه، ويقول لي كلاما فيه إهانة ‏كثيرة، أني لست رجلا؛ لأني لم ‏أقتل الذي اعتدى علي، ويقول ‏إن الشيخ ابن القيم يقول في ‏الجواب الكافي: لا يوفق لخير ‏حتى بعد توبته. وأنا لم أذنب ‏حتى أتوب أصلا؟! والله أشعر ‏بنار في قلبي بسبب كلامه، ‏ويرى أني أستحق الاحتقار؛ ‏لأني مثلي، رغم أني لا أفعل ‏شيئا محرما، ولا فعله قوم لوط ‏‏– وليس بالضرورة أن تكون مثليا لتفعل اللواط، ‏فقوم لوط لم يكونوا مثليين، ‏ولكن أحدثوا الفاحشة–ولكني ‏ذهبت لغيره، وأعطاني أدوية ‏لتخفيف الشهوة أليس الله من ‏قال:" وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ ‏أُخْرَى؟ ‏ ‏ 2-ما ذنبي أن أحمل أنا باقي ‏ذنوب قوم لوط، إذا مارست ‏اللواط؟ ألم يكن سبب هلاكهم ‏الكفر، ثم باقي ذنوبهم ألم يكن هناك الكثير من الجرائم ‏بجانب اللواط؟ الفقهاء في ‏الاجتهاد تجاهلوا مسألة الكفر، ‏والتهديد بطرد سيدنا لوط-عليه ‏السلام-والمنكر، والاغتصاب، ‏وقطع الطريق، والقتل، ‏والفاحشة أمام بعضهم في ‏الشوارع وكل هذا. وأيضا قوم ‏عاد كان عذابهم شديدا متقاربا ‏معهم. وهل جمع الله على أمة ‏عذاب سبعة أيام بهذا الشكل؟! أ ليس من كمال رحمه الله بعباده ‏وستره عليهم أنه جعل حد ‏اللواط أصعب حد مطلقا من ‏ناحية الإثبات؟ ‏ ‏3-‏ما ذنبي أن يتم رميي من مكان ‏عال، إذا ثبتت علي الفاحشة –‏إذا مارست– رغم أن قوم لوط ‏عذبهم الله بالرجم، والعمى، ‏والصيحة وليس نوع عذاب ‏واحد، ولكن رغم ذلك تم تجاهل ‏الآيات؟ ‏ بالله عليكم أليس ذلك ظلما أن يتم ‏أخذي بذنب غيري؟ ‏

مدة قراءة الإجابة : 5 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

 فنسأل الله أن يشرح صدرك، ويطهر قلبك، وأن يسددك إلى الفطرة، وأن يدخلك الجنة، ويجرك من النار.
ولا يجوز لهذا الطبيب ولا لغيره أن يعيرك بذنب وقعت فيه، أو عيب ابتليت به، فإن ذلك من الشماتة بالمسلمين.

 قال ابن القيم رحمه الله: فَفِي التَّعْيِيرِ ضَرْبٌ خَفِيٌّ مِنَ الشَّمَاتَةِ بِالْمُعَيَّرِ، وَفِي التِّرْمِذِيِّ أَيْضًا مَرْفُوعًا: لَا تُظْهِرِ الشَّمَاتَةَ لِأَخِيكَ، فَيَرْحَمَهُ اللَّهُ وَيَبْتَلِيَكَ. انتهى.
وأما ما نسبه هذا الطبيب لابن القيم من قوله: (لا يوفق لخير حتى بعد توبته) فغير صحيح، بل هو مخالف لما ذكره ابن القيم -رحمه الله- في الجواب الكافي حيث قال: إِنْ تَابَ الْمُبْتَلَى بِهَذَا الْبَلَاءِ –أي اللواط- وَأَنَابَ، وَرُزِقَ تَوْبَةً نَصُوحًا، وَعَمَلًا صَالِحًا، وَكَانَ فِي كِبَرِهِ خَيْرًا مِنْهُ فِي صِغَرِهِ، وَبَدَّلَ سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَاتٍ، وَغَسَلَ عَارَ ذَلِكَ عَنْهُ بِأَنْوَاعِ الطَّاعَاتِ وَالْقُرُبَاتِ، وَغَضَّ بَصَرَهُ، وَحَفِظَ فَرْجَهُ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَصَدَقَ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ، فَهَذَا مَغْفُورٌ لَهُ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، وَإِذَا كَانَتِ التَّوْبَةُ تَمْحُو كُلَّ ذَنْبٍ، حَتَّى الشِّرْكَ بِاللَّهِ، وَقَتْلَ أَنْبِيَائِهِ، وَأَوْلِيَائِهِ، والسحر، وَالْكُفْرَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا تَقْصُرُ عَنْ مَحْوِ هَذَا الذَّنْبِ، وَقَدِ اسْتَقَرَّتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ عَدْلًا وَفَضْلًا أَنَّ: «التَّائِبَ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»، وَقَدْ ضَمِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِمَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ، وَقَتْلِ النَّفْسِ، وَالزِّنَى، أَنَّهُ يُبَدِّلُ سَيِّئَاتِهِ حَسَنَاتٍ، وَهَذَا حُكْمٌ عَامٌّ لِكُلِّ تَائِبٍ مِنْ ذَنْبٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [سُورَةُ الزُّمَرِ: 53] . فَلَا يَخْرُجُ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ ذَنْبٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنْ هَذَا فِي حَقِّ التَّائِبِينَ خَاصَّةً. انتهى.
فهذا كلام ابن القيم في حق من فعل هذه الفاحشة ثم تاب.

ثم اعلم أنه ليس في عقوبة اللواط تحميل لمن وقع فيها ببقية ذنوب قوم لوط من الشرك، وتكذيب الرسول، وقطع السبيل وغيرها، وإنما هي حد مقدر في الشرع، كما قدرت حدود ذنوب أخرى كالقتل، والسرقة، والزنا. والراجح في حد اللواط أن يقتل الفاعل، والمفعول به مطلقاً؛ لما في الترمذي وأبي داود وابن ماجه وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل، والمفعول به. وهو حديث صحيح، صريح في عقوبة مرتكب هذه الجريمة، ويشترط في المفعول به أن يكون قد ارتكب معه ذلك الفعل وهو طائع.
ثم اعلم أن لله حكما كثيرة في التخلية بين العبد وبين الذنب، وتهيئته أسبابه له، وأنه لو شاء لعصمه، وحال بينه وبينه، ولكنه خلى بينه وبينه؛ لحكم عظيمة لا يعلم مجموعها إلا الله، منها: محبته للتوابين، وفرحه بتوبتهم، ومنها: معرفة العبد حاجته إلى حفظ الله، وصيانته له، وافتقاره إلى إعانته، ومنها: معرفته حقيقة نفسه، وأنها الخاطئة الجاهلة، ومنها معرفته سعة حلم الله وكرمه، ورحمته وعفوه، وغيرها كثير قد ذكر طرفا منها ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: (طريق الهجرتين وباب السعادتين) فراجعها إن شئت.
وأخيرا نوصيك بالبعد عن مخالطة أصحاب السوء، واختيار الرفقة الصالحة، التي تعينك على طاعة الله، وتربط قلبك بالمساجد، ومجالس العلم والذكر، وعليك بالإكثار من الأعمال الصالحة كالصلاة، والصوم، وبر الوالدين وعليك بشغل أوقات فراغك بالأعمال النافعة، وممارسة الرياضة المفيدة، مع كثرة الدعاء، والاستعانة بالله.
ويمكنك التواصل مع قسم الاستشارات النفسية بالموقع لمزيد من الفائدة.
وللفائدة أيضا يرجى مراجعة هذه الفتاوى التالية أرقامها: 57110، 59332، 175935، 252112.
 والله أعلم.