عنوان الفتوى : المثليون جنسيا..العلاج .. العقوبة.. وخطأ الاحتجاج بالقدر في ذلك
ما الحكمة من جعل الله سبحانه وتعالى بعض الناس مثليين جنسيا ومضطهدين بينما الطبيعي يزني ويعيش شبابه ثم يتوب ويتزوج ويعف نفسه بواحدة فاْكثر إلى اْربع غير ملك اليمين، بينما المثلي يعيش وسط كلام الناس من اللعن والسب واْقذر الاْلقاب حتى وإن لم يكن يفعل أي شيء محرم فسوف يكرهه الناس، وهو لا يستطيع الزواج ولا يرغب فيه ولا يوجد علاج لهذه الميول لاْنها لا تعتبر مرضا من اْصلها حسب المنظمات العالمية ومعظم أطباء العالم بينما العرب فقط يستغلون أوضاع المثليين ومالهم لمجرد اْوهام لا ينتج عنها إلا إهانة النفس وأنتم الشيوخ عندما تتحدثون عن هذا الموضوع لا تفرقون بين الميول والفعل وتقولون: اقتلوا الفاعل والمفعول به ـ دون أن تشرحوا أن الموضوع صعب ويحتاج إلى أربع من الشهود ولا تزيدون الاْمر إلا صعوبة علينا بدلا من الدعاء لنا أن يرفع عنا الله هذا البلاء وشرح اْمرنا للناس حتى يصبح المجتع سليما على ما اْراده الله.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلله عز وجل الحكمة البالغة في شرعه وقدره، لأن ذلك كله صادر عن علم وحكمة قد نعلمها وقد نجهلها، وما على المؤمن إلا أن يرضى ويسلم، قال تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا {الأحزاب:36}.
وإذا رضي المؤمن وسلم فلا بأس في أن يبحث عن الحكمة ليزداد إيمانا ويقينا من باب قول الله عز وجل: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي... الآية{البقرة:260}.
والحياة دار ابتلاء يبتلي الله فيها عباده بالخير وبالشر، قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ {الأنبياء:35}.
وهو سبحانه كما أنه خالق للخير فهو أيضا خالق للشر، فلا يحصل شيء في سلطانه إلا بإذنه، كما قال تبارك وتعالى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ {القمر:49}.
وروى مسلم في صحيحه عن طاووس أنه قال: أدركت ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون كل شيء بقدر، قال: وسمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل شيء بقدر حتى العجز والكيس.
وهذا لا يعني أن ما يخلق من الشر يحبه، فإنه يبغضه، ولذا نهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن وحرمها، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}.
وقال: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:28}.
ولكن كما ذكرنا أنه له في ذلك حكم من أهمها الابتلاء، ليعلم الصادق من الكاذب، ولمزيد الفائدة راجع الفتويين رقم: 135313، ورقم: 95359.
والله تعالى خلق الإنسان وركب فيه أجهزة الفهم كالسمع والبصر والفؤاد وامتن عليه بها، فقال: وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ {النحل:78}.
ومن هنا كان للإنسان اختيار بين الخير والشر، قال الله تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا {الإنسان:3}.
وقال: لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ {التكوير:28}.
وغالبا ما تأتي هذه الابتلاءات للإنسان بتساهله في البدايات حيث يألف الفاحشة ويركن إليها قلبه فيفسد وتنتكس فطرته ويشتهي الفاحشة، ويكون بذلك قد فتح باب الشر على نفسه، قال تعالى: فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {الصف:5}.
وقال: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا {البقرة:10}.
وحاصل الأمر أن الشاذ جنسيا أو المبتلى بأي معصية قد أصبح في حالة ابتلاء، فبدلا من أن يجعل نفسه أسيرا للماضي والتفكير في القدر ـ وهو لا حجة له فيه ـ عليه أن ينظر أمامه ويتطلع إلى المستقبل ويعمل على مجاهدة نفسه، ويكثر التضرع لربه والانكسار بين يديه ليعينه على التخلص من هذه المصيبة، فهو سبحانه مجيب دعوة المضطر وكاشف الضر؛ كما قال سبحانه: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ {النمل:62}.
ولا ينبغي أن ييأس أو يلتفت إلى قول المثبطين، فالله على كل شيء قدير وكل أمر عليه يسير، قال عز من قائل: فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {الليل5 ـ 7 }.
وقال: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {العنكبوت:69}.
وإذا كان هنالك من عنده مجرد ميول للشذوذ الجنسي، فلا شك في أنه ليس كالفاعل أو المفعول به، ولا نظن أن عالما يسوي بينهما، وحديث العقوبة واضح في هذا، وعمل القلب لا يؤاخذ به، للحديث المتفق عليه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به.
ولكن تجب مدافعة الخواطر السيئة والاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإنه قد يتعاهدها بوساوسه، فيطمئن بها القلب وينتقل المرء بعدها إلى الفعل، فيقع ما يستوجب الندم، ولات حين مندم، وللأهمية نرجو مطالعة الفتوى رقم: 133593.
وأهل العلم قد بينوا أن كلا من فاحشتي الزنا واللواط لا تثبت إلا بأربعة شهود، وقد ذكرنا ذلك في الفتوى رقم: 97927.
ولا يلزم أن تذكر مثل هذه الشروط في كل فتوى، لأن هذا أمر معلوم، والحدود إنما يقيمها السلطان وهو لن يقيم حدا على إنسان إلا إذا ثبت عنده بالبينة فعل الفاحشة، ولا يجب على كل من فعل الفاحشة أن يرفع أمره إلى السلطان ليقيم عليه الحد بل الأولى أن يتوب ويستر على نفسه، وراجع الفتوى رقم: 205348، والأرقام المحال عليها فيها.
نسأل الله تعالى لجميع المسلمين العافية من كل بلاء، وما أحسن ما علمنا إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أذكار الصباح والمساء: عن ابن عمر قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات، حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بك أن أغتال من تحتي. قال وكيع: يعني الخسف.
وننبه إلى أن ستر الشاذ جنسيا على نفسه يقيه كثيرا من الشرور، ويرفع عنه حرجا عظيما، ففي الستر خير الدنيا والآخرة، ومن أشاع أمره فلا يلومن إلا نفسه، روى البخاري ومسلم عن سالم بن عبد الله قال سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عنه.
وفي المجاهرة علامة الاستهتار بالأمور وعدم المبالاة بالقول أو الفعل، ولذلك يعظم معها الذنب.
والله أعلم.