لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله اجتماع وتربية وتعليم
مدة
قراءة المادة :
18 دقائق
.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله اجتماع وتربية وتعليملؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله مظلة تظلل جميع مناحي الحياة، فهي ليست كلمة مجرده فحسب، لكن هي كلمة ذات معاني عميقة تشكل حياة الناس، وترسم لهم الواقع الحي تحت مظلة لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله، فجميع الأنظمة الحياتية تنبثق من هذه الكلمة العظيمة التي ظل النبي – صلى الله عليه وسلم – يربي عليها أصحابه الكرام – رضوان الله عليهم أجمعين – ثلاث عشرة سنة بمكة المكرمة - شرَّفها الله - ثم انتقل بهم معها – صلى الله عليه وسلم – إلى المدينة، وظل بها عشر سنوات يربي أصحابه على هذه المعاني الجليلة الضخمة، فأصبح حال الناس مرتبطًا بلؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله يعيشون ويحيون عليها، وتشكل واقعهم الحي، ونظام حياتهم منبثق منها، ومن هذه الأنظمة النظام الاجتماعي والتربوي والتعليمي.
فلؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله ينبثق منها النظام الاجتماعي الذي ينظِّم حياة الناس وَفقَ الشريعة الإسلامية، فهو ينظم ارتباط كلٍّ من الآباء بالأبناء والأبناء بالآباء، وبالعائلة الكبيرة، والزوج بزوجته وكيفية معاملتها، وكذلك الزوجة بزوجها.
فالمجتمع المسلم مجتمع راقٍ نظيف طاهر حياة أفراده مستقرة ومتآلفة يسود فيه الحب والمودة والألفة.
أما في المجتمعات الوضعية البعيدة عن دين الله تعالى، فتفكَّكت فيها الأسرة، وتفككت فيها روابط البيت التقليدية، وأصبحت صورة هشة مفككة متفرقة؛ لأنها نشأت وتربت على سيرة ونهج المجتمع الأوربي، فحصدت البيوت هذه السلبيات والآفات.
إن المجتمعات الوضعية أفرادها يريدون أن ينفصل الدين عن الحياة، لا يريدون أن يكون المرجع هو كتاب الله وسنة الحبيب محمد - صلى الله عليه وسلم - ولكن يريدون أن يفعل الإنسان ما يشاء وقت ما يشاء، دون الرجوع إلى الكتاب والسنة، فهم دعاة فصل الدين عن الدولة ودعاة الإباحية والاختلاط والسفور، فيقولون: ما علاقة الدين بالاجتماع؟!
وما علاقته بالتربية والتعليم؟!
وما علاقته بالشريعة؟!
وكذب قائلهم حينما قال ما دخل الله بالشريعة!!
الدين في المساجد والكتاتيب الدين ليس له علاقة بواقع الحياة!.
إن المجتمعات الوضعية تحرص على تفكُّك الأمة الإسلامية، وعلى هدم البيت المسلم، وتفكيك الروابط العائلية، بحجة أن هذه رجعية وتخلف، وأنها تحرص على إخراج المرأة من بيتها ومخالطتها للرجال، ومِن ثَم ينشأ جيل باهت العقيدة عديمي الهوية، ولكن ﴿ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ﴾ [الأنفال: 30].
فلؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تعتني وتهتم بالمجتمع وبالأسرة وبالمسجد وبالمدرسة، فالأسرة لها وظائف كثيرةٌ ومتنوعة، ولا سيما أنها تُعنى بتنمية ورعاية جميع الجوانب الشخصية للإنسان في مختلف مراحل عمره.
الأسرة هي الخلية الأولى التي يتكون منها نسيج المجتمع، كما أنها الوسط الطبيعي الذي يتعهد الإنسان بالرعاية والعناية منذ سنوات عمره الأولى، وقد حث الإسلام على تكوينها والاهتمام بها لأثرها البارز في بناء شخصية الإنسان وتحديد معالمها منذ الصغر.
وتُعد الأسرة أهم المؤسسات التربوية الاجتماعية التي لها الكثير من الوظائف، وعليها العديد من الواجبات الأساسية؛ حيث تُعتبر بمثابة المحضن الأول الذي يعيش الإنسان فيها أطول فترةٍ من حياته، كما أن الإنسان يأخذ عن الأُسرة العقيدة، والأخلاق، والأفكار، والعادات، والتقاليد، وغير ذلك من السلوكيات الإيجابية أو السلبية.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تعتني بالبيت المسلم، فهو "المجتمع" الصغير الذي ينشأ فيه الصغار ويرتبطون بالكبار يرتبطون برباط الأبناء بآبائهم، ورباط القيم والأخلاق والتقاليد، ورباط الألفة والمودة ورباط الاستقرار النفسي والعاطفي، وكلها معان مستمدة من الدين.
قال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].
وعلى الرغم من اشتراك الأسرة المسلمة مع غيرها من الأسر في أداء بعض الوظائف التربوية إلا أن للأُسرة المسلمة بعضًا من الوظائف التربوية المميزة التي من أبرزها ما يلي:
1- العمل على تزويد المجتمع المسلم بالذرية الصالحة التي تُحقق قوله صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الولود الودود، فإني مُكاثرٌ بكم"[1]، والتي تكون عاملًا قويًّا في تحقق واستمرار الحياة الأُسرية، وضمان استقرارها.
2- تحقيق عوامل السكون النفسي والطمأنينة لجميع أفراد الأسرة، حتى تتم عملية تربيتهم في جوٍ مُفعمٍ بالسعادة بعيدًا عن القلق والتوتر والضياع.
ويأتي ذلك تحقيقًا لقوله تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
3- حُسن تربية الأبناء والقيام بواجب التنشئة الاجتماعية الإيجابية، والعمل على صيانة فطرتهم عن الانحراف والضلال، تحقيقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ مولودٍ يُولدُ على الفطرة فأبواهُ يُهوِّدانِهِ، أو يُنصِّرانِهِ، أو يُمجِّسانِهِ"[2].
4- توفير مقومات التربية الإسلامية الصحيحة لأفراد الأسرة، عن طريق العناية بمختلف الجوانب الشخصية للإنسان (روحيًّا، وعقليًّا، وجسميًّا).
والحرص على توازنها وتكاملها، لِما لذلك كله من الأثر الكبير في تشكيل وتكوين الشخصية المسلمة السوية، والعمل على تفاعلها وتكيُّفها مع ما حولها من المكونات، ومن حولها من الكائنات بصورةٍ إيجابية، ومستمرة طول فترة الحياة.
5- الحرص على توعية أعضاء الأسرة وخاصة الصغار منهم بكل نافعٍ ومفيد، والعمل على تصحيح مفاهيمهم المغلوطة، وحمايتهم من كل ما يُهدد سلامتهم وسلامة غيرهم، وتعليمهم الأخلاق الكريمة، والآداب الفاضلة، والعادات الحسنة؛ حتى يشبوا عليها، ويتعودوا على مبدأ التحلي بالفضائل، والتخلي عن الرذائل.
6- إكساب أعضاء الأسرة الخبرات الأساسية والمهارات الأولية اللازمة لتحقيق تكيفهم وتفاعلهم المطلوب مع الحياة، وإكسابهم الثقة بالنفس، والقدرة على التعامل مع الآخرين.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تهتم بالمرأة؛ لأن المرأة هي المجتمع كله، وليس كما يقولون المرأة نصف المجتمع، فقد كانت في الجاهلية مهينة مهضومة الحقوق، سواء كانت فتاة في بيت والدها، أو زوجة في بيت زوجها، أو مطلقة محرومة من أولادها .
وكانت نظرة الرجل إليها نظرة أقرب إلى الحيوانية، فإن خرجت عن الحيوانية، فهي في محيط الحمل والولادة والإرضاع، وتدبير المنزل ولا زيادة، ولم يكن ذلك كله من تعاليم الإسلام، بل كان خروجًا على تعاليم الإسلام التي تقرِّر المساواة في الإنسانية، وتوجب على الرجال معاملتهنَّ بالمعروف ﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ ﴾ [آل عمران: 195]، ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا ﴾ [النساء: 124].
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19].
﴿ وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ﴾ [البقرة: 231]،" خيرُكُم خَيرُكُم لأَهْلِهِ وأَنا خيرُكُم لأَهْلي، وإذا ماتَ صاحبُكُم فدَعوهُ [3].
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ"[4]، هذا هو قدر المرأة في الاسلام.
ولؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تهتم بدور المسجد في التنشئة الإسلامية الصحيحة، فيُعد المسجد أبرز وأهم المؤسسات الاجتماعية التربوية التي ارتبطت بالتربية الإسلامية ارتباطًا وثيقًا، نظرًا لعددٍ من العوامل التي أدَّت في مجموعها إلى ذلك الارتباط والتلازم، ولا سيما أن المسجد لم يكن في المجتمع المسلم الأول مجرد مكان لأداء العبادات المختلفة فقط، بل كان أشمل من ذلك، إذ كان جامعًا لأداء العبادات من الفرائض والسنن والنوافل، وجامعةً للتعليم وتخريج الأكفاء من الخلفاء والعلماء والفقهاء والأمراء، ومعهدًا لطلب العلم ونشر الدعوة في المجتمع، ومركزًا للقضاء والفتوى، ودارًا للشورى وتبادل الآراء، ومنبرًا إعلاميًّا لإذاعة الأخبار وتبليغها، ومنزلًا للضيافة وإيواء الغرباء، ومكانًا لعقد الألوية وانطلاق الجيوش للجهاد في سبيل الله تعالى، ومنتدُى للثقافة ونشر الوعي بين الناس، إلى غير ذلك من الوظائف الاجتماعية المختلفة.
وبذلك يُمكن القول: إن المسجد في الإسلام يُعد جامعًا وجامعةً، ومركزًا لنشر الوعي في المجتمع، ومكانًا لاجتماع المسلمين، ولَمِّ شملهم، وتوحيد صفهم.
وهو بحق أفضل مكانٍ، وأطهر بقعةٍ، وأقدس محلِّ يُمكن أن تتم فيه تربية الإنسان المسلم وتنشئته، ليكون بإذن الله تعالى فردًا صالحًا في مجتمعٍ صالحٍ.
ولعل من أهم ما يُميز رسالة المسجد التربوية في المجتمع المسلم أنه يُعطي التربية الإسلامية هويةً مميزةً لها عن غيرها، وأنه مكانٌ للتعليم والتوعية الشاملة التي يُفيد منها جميع أفراد المجتمع على اختلاف مستوياتهم وأعمارهم وثقافاتهم وأجناسهم، إضافةً إلى فضل التعلم في المسجد، وما يترتب على ذلك من عظيم الأجر وجزيل الثواب.
فقد رُوِيَ عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله، يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم إلا حفَّتهم الملائكة، ونزلت عليهم السكينة، وغشِيتهم الرحمة، وذكرهم الله فيمن عنده"[5].
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تهتم بدور المدرسة، وتعتبرها من أهم وأبرز المؤسسات الاجتماعية التربوية التي أنشأها المجتمع للعناية بالتنشئة الاجتماعية لأبنائه، وتربيتهم، وتهيئتهم، وإعدادهم للحياة.
ولعل من أبرز وأهم وظائف المدرسة ما يلي:
• أنها تعمل على تبسيط ونقل التُراث المعرفي والثقافي، ونحو ذلك من جيل الكبار إلى جيل الصغار، أو من المعلمين إلى الطلاب تبعًا لما يتناسب واستعداداتهم وقدراتهم المختلفة، فينتج عن ذلك جيلٌ متعلمٌ ومُثقف.
• أنها تعمل على استكمال ما كان قد تَم البدء فيه من تربيةٍ منزلية للفرد، ثم تتولى تصحيح المفاهيم المغلوطة، وتعديل السلوك الخاطئ، إضافةً إلى قيامها بمهمة التنسيق والتنظيم بين مختلف المؤسسات الاجتماعية ذات الأثر التربوي في حياة الفرد، فلا يحدث نوع من التضارب أو التصادم أو العشوائية.
• أنها تقوم بدورٍ كبيرٍ في عصرنا الحاضر، حينما تكون في معظم الأحيان بديلًا للأُسرة؛ إذ يتشرب الصغار فيها عادات وقيم وأخلاق وسلوكيات مجتمعهم الذي يعيشون فيه.
• أنها بمثابة مركز الإشعاع المعرفي في البيئة التي توجد فيها، إذ إنها تُقدم للمجتمع كله خدماتٍ كثيرة ومنافع عديدة، من خلال نشر الوعي الصحيح بمختلف القضايا، وكيفية التعامل السليم مع من حول الإنسان وما حوله[6].
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله نظام اجتماعي يظلل جميع مناحي الحياة، ويظل المجتمع بالمظلة الاسلامية، فيسعد أفراده وتستقر نفوسهم ويهدأ بالهم.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتربية والتعليم؛ إذ يتفق المربُّون جميعًا أن نظام التربية والتعليم تحت مظلة الشرع والدين ضرورة لتوجيه الأفراد، وصياغتهم صياغة اجتماعية منضبطة ملتزمة؛ حتى يكونوا لبِنات صالحة قوية في بناء المجتمع القوي المفكر المنتج، غير أنَّهم يختلفون في المناهج التي تقود عمليَّة التَّربية والتعليم حسب نظام ذلك المجتمع، أو حسب نظريته الحضارية التي تقود حركة التنمية والتطور.
إنَّ مفهوم التربية الإسلامية يتلخَّص في صياغة الفرد صياغةً حضارية، وإعداد شخصيته إعدادًا شاملًا ومتكاملًا؛ من حيث العقيدة، والذَّوق، والفكر، والمادة، ليتحقق فيه الفرد الذي يكون الأمة الوسط، وبذلك يصبح المسلم منذ طفولته - وعبر شبابه وكهولته - صاحب رسالة، كل حسب موقعه ومركزه، ويحرص كل الحرص على إتقان ما يعمله، والإبداع فيه، ليزود أمته دائما بالمبتكر الجديد، استجابة لأمر الله تعالى في وجوب الإعداد الدائم ما استطاع من مظاهر القوة المتنوعة، ومن جهاد شامل على أصعدة الحياة كلها[7].
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله نظام تعليمي يعتمد على تنشئة الفرد بعد تربيته التنشئة السليمة التي تنفع المجتمع وتجعله مجتمعًا راقيًا سليمًا ناجحًا.
وقد ألف الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله رسالة طيبة مباركة مشتملة على فضل تعلُّم العلم وتعليمه والعمل به، وبيان فوائده وثمراته العاجلة والآجلة في الدنيا والآخرة، وحيث إن زكاة العلم وثمرته هي العمل به وتعليمه، فقد كتبت فيه موضعين مهمين في هذه الرسالة، وبيَّن فيها طريق التعلم وأسباب فَهم الدروس وتربية الأبناء كما يجب أن تكون، وبيان مسؤولية المدرس وكونه تحمل مسؤولية كبرى وأمانة عظمى، سيسأل عنها أمام الله يوم القيامة نحو طلبته وبيان واجب الآباء نحو الأبناء من التربية والقدوة الحسنة، والتعليم النافع والكلام الطيب والأدب الحسن.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله توضح مسؤولية الطالب تجاه مدرسية وزملائه ووالديه بالبر والإحسان والأدب والأخلاق الطيبة، وقبل ذلك وبعده مسؤولية المدرس والطالب وولي أمره أمام أوامر الله وأوامر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونواهيه بالامتثال والطاعة والاستسلام والانقياد، وأن يقول كل مسلم كما قال إمام الحنفاء ووالد الأنبياء ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة 131].
وأن يقول أمام أوامر الله وأوامر رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ﴾ [البقرة 285]، كما قال المؤمنون قبلنا.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تحض على الحث على اختيار الجليس الصالح المطيع لله ورسوله، والقائم بحقوق الله وحقوق عباده؛ حيث إن المرء معتبر بقرينه، وسوف يكون على دين خليله، فلينظر مَن يخالل؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أَن النبيَّ - صَلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم - قَالَ: "الرجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُر أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِل"[8].
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تدعو وتحض على الحث على بر الوالدين والإحسان إليهما، والقيام بحقوقهما بكل أنواع البر القولية والعملية والمالية، وعدم إيذائهما بالقول والفعل؛ حيث إنهما السبب بعد الله في وجود الإنسان، وحيث ربَّياه صغيرًا وعطفا عليه، وأحسنا إليه بالأكل والشرب واللباس والعلاج، والحنو والشفقة والرحمة، لذا أمر الله بشكرهما وقرَن شكرهما بشكره، وأوجب طاعتهما في غير معصية، كما أمر بالدعاء لهما في الحياة وبعد الممات، ﴿ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24].
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله تؤكد الرسالة الطيبة المباركة على دور الشباب المسلم في الحياة في جميع المجالات، وأن يكون الإنسان قدوة حسنة لأبنائه وطلابه وأقاربه ومجتمعه، وذلك بالتمسك بتعاليم الإسلام الحنيف المشتمل على كل خير وبر وإحسان، واغتنام فرصة الشباب والصحة والحياة والفراغ فيما يسعد الإنسان ويقرِّبه إلى الله من الإيمان الصادق والعمل الصالح الخالص لله الموافق لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - والتواصي بالحق والصبر عليه، وقراءة القرآن الكريم والاستماع إليه، وتدبُّره والعمل به، والإكثار من ذكر الله تعالى قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه، كما وصف الله المؤمنين بذلك، ولنا في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسوة حسنة، فقد كان يذكر الله على كل أحيانه.
لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله اشتملت على وصية طالب العلم بأن يعمل به ويدعو إليه، وعلى بعض الأبيات الإرشادية الوعظية المفيدة النافعة، وعلى نداء إلى شباب الإسلام بأن يتمسكوا بكتاب ربهم وسنة نبيِّهم، وأن يستعدوا لِما أمامهم من الجزاء والحساب والثواب والعقاب والجنة والنار، وهي مستفادة من كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وكلام المحققين من أهل العلم"[9].
وبالجملة فإن لؤلؤة التوحيد لا إله إلا الله، كلمة قليلة الألفاظ، ولكنها تحوي الدين كله، فهي نظام شامل متكامل، يظلل جميع مناحي الحياة.
[1] رواه النسائي، الحديث رقم 3026، ص 680.
[2] رواه البخاري، الحديث رقم 138، ص 222.
[3] أخرجه الترمذي (3895) واللفظ له، والدارمي (2260)، وابن أبي الدنيا في (مداراة الناس) (154).
[4] متفق عليه.
[5] رواه ابن ماجه، ج 1، الحديث رقم 225، ص 82.
[6] الموضوع مأخوذ بتصرف يسيرٍ من كتاب (مقدمة في التربية الإسلامية) د.
صالح بن علي أبو عراد ( 1424هـ)، الرياض: دار الصولتية للتربية.
[7] نظام التربية والتعليم الإسلامي ودوره في التنمية د.
محسن عبدالحميد المصدر: كتاب "الإسلام والتنمية الاجتماعية" شبكة الألوكة.
[8] رواه أحمد والترمذي وابن أبي الدنيا.
[9] مستفاد من مواضيع مهمة في حياة المسلم " العلم والتربية والتعلِيم" جمع وتحقيق الفقير إلى الله تعالى الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين ص6.