عنوان الفتوى : يزعم أن صلاة الجمعة تصلى في أي وقت وليس لها في يومها وقت محدد !
شيخي يقول لي إن صلاة الجمعة تصلى في أي وقت . فقلت له : وقتها من قبل الزوال وهو مذهب (المذهب الحنبلي) الى آخر وقت في الظهر ، وكان دليله في حديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم ظل يخطب في الناس الظهر والعصر والمغرب والعشاء أي كان النهار كله يخطب أرجو الإفادة من هذا الحديث
الحمد لله.
أجمع أهل العلم على أن الوقت شرط من شروط صحة صلاة الجمعة ، ولهذا قال النووي في "المجموع" (4/509): "وأجمعت الأمة على أن الجمعة لا تقضى على صورتها جمعة، ولكن من فاتته لزمته الظهر" انتهى .
وجمهور أهل العلم على أن وقتها كوقت الظهر ابتداء وانتهاء.
وانفرد الحنابلة في ابتداء وقتها : فقالوا بجواز تقديمها قُبيل الزوال بساعة ، وزاد بعضهم ، فقال : إن وقت ابتدائها من ارتفاع الشمس كصلاة العيد .
فقالوا يدخل وقتها بارتفاع الشمس ، كصلاة العيد .
وذهب بعضهم إلى أنه يبدأ من قبل وقت صلاة الظهر بساعة .
وينظر جواب السؤال (114859) ، (145262) .
وانفرد المالكية بالقول بامتداد وقتها إلى غروب الشمس ، وقالوا هذا فيما لو قُّدر أن إماماً لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر ، فقال ابن القاسم يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس .
ففي المدونة (1/160): "قلت: أرأيت لو أن إماماً لم يصل بالناس الجمعة حتى دخل وقت العصر؟ قال ـ يعني ابن القاسم ـ : يصلي بهم الجمعة ما لم تغب الشمس، وإن كان لا يدرك بعض العصر إلا بعد الغروب" انتهى .
ولكن هذا القول شاذ مرجوح ضعّفه العلماء وشنعوا عليه .
حتى ذكر بعضهم أنه لا يعلم خلافا بين العلماء في أن وقت الجمعة ينتهي بانتهاء وقت الظهر ، وكأنه رأى هذا القول شاذا لا يلتفت إليه .
قال ابن أبي عمر في "الشرح الكبير" (5/186) : "ولا خلاف فيما علمنا أن آخر وقتها آخر وقت صلاة الظهر" انتهى .
وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/ 421 ) ـ ردّاً على هذا القول ومشنعاً : "والعجب ممن ينصر هذا القول، ويحتج له، مع أنه لا يعرف العمل به إلاّ عن ظلمة بني أمية وأعوانهم، وهو مما ابتدعوه في الإسلام ...
فإن قيل: فقد كان الصحابة يصلون مع من يؤخر الجمعة إلى بعد العصر، وإلى قريب من غروب الشمس؟
قيل: كانوا يصلون الظهر والعصر في بيوتهم قبل مجيئهم، ثم يجيئون اتقاء شر الظلمة، كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ومنهم من كان يومئ بالصلاة، وهو جالسٌ في المسجد إذا خاف فوت الوقت" انتهى .
وقال الكاساني الحنفي في "بدائع الصنائع" (2/212) :
"وقال مالك : تجوز إقامة الجمعة في وقت العصر – وهو فاسد – لأنها أقيمت مقام الظهر بالنص ، فيصير وقت الظهر وقتا للجمعة ، وما أقيمت مقام غير الظهر من الصلوات ، فلم تكن مشروعة في غير وقته" انتهى .
وقال ابن حزم في "المحلى" (5/42-45) : "وفرق مالك بين آخر وقت الجمعة وبين آخر وقت الظهر ، على أنه موافق لنا في أن أول وقتها هو أول وقت الظهر ، وهذا قول لا دليل على صحته ، وإذ هي ظهر اليوم ، فلا يجوز التفريق بين آخر وقتهما من أجل اختلاف الأيام " انتهى.
وقال : "الجمعة هي ظهر يوم الجمعة ، ولا يجوز أن تصلي إلا بعد الزوال ، وآخر وقتها آخر وقت الظهر في سائر الأيام.." انتهى
هذا .. مع أن بعض المالكية قيدوه بما إذا أخر الصلاة لعذر، أو اتفق ذلك لغير عذر ، وأما تأخيرها ابتداء فلا يجوز ذلك .
جاء في "مختصر خليل" (2/517) مع مواهب الجليل: (شرط الجمعة: وقوع كلها بالخطبة وقت الظهر، للغروب) .
إلا أنه قال بعد ذلك: "( تنبيه ) هذا الحكم إذا أخر الإمام والناس الصلاة لعذر، أو اتفق ذلك لغير عذر ، وأما ابتداء : فلا يجوز ذلك .
قال في المدونة: وإذا أتى من تأخير الأئمة ما يستنكر، جمَّعوا دونه إن قدروا، وإلا صلوا ظهرا وتنفلوا معه .
قال سند: يريد إذا أخرها إلى وقت العصر، وهذا; لأن وقت الجمعة وقت الظهر، ولهذا يسقط بها الظهر ، وتدخل بالزوال، فما لا يجوز تأخير الظهر عنه، لا يجوز تأخير الجمعة عنه" انتهى .
وما ذكرته عن شيخك بأن صلاة الجمعة تصلى في أي وقت في يومها لم يقل به أحد من العلماء ، فإن من يقول بدخول وقتها قبل الزوال (الإمام أحمد) يقول إنه ينتهي بخروج وقت الظهر ، والذي يقول بأن وقتها يمتد إلى الغروب (الإمام مالك) ، يقول إنه لا يدخل وقتها قبل الزوال .
فإن كان شيخك مقلدا لأحد من العلماء ، فلم يقل أحد من العلماء بهذا !!
وإلا ؛ فلينظر من سبقه إلى قوله ، وعمن أخذه ؟! وليحذر على نفسه الشذوذ ، ومخالفة سبيل المؤمنين !!
وما ذكرته في استدلاله بخطبة النبي صلى الله عليه وسلم سائر النهار ، فلعله يقصد حديث أَبُي زَيْدٍ الذي قَالَ فيه : " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ، وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى حَضَرَتِ الْعَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَأَخْبَرَنَا بِمَا كَانَ وَبِمَا هُوَ كَائِنٌ فَأَعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا " أخرجه مسلم (2892) .
فإن هذه الخطبة لم تكن خطبة الجمعة ، فإن فيها " ثم نزل فصلى الظهر " ولم يقل فصلى الجمعة .
ثم إن فيه : أنه بعدما صلى الظهر ، صعد فأكمل خطبته ، وحديثه إليهم ، الذي أراده في مقامه هذا؛ فهل هكذا تكون صلاة الجمعة؟ وهل هكذا سيفعل هذا الشيخ، إذا صلى الجمعة بالناس؟!
فعلم بهذا أن الخطبة كانت خطبة موعظة وتذكير وتعليم ، ولم تكن خطبة جمعة ، وهذا ظاهر جدا .
ويكفي ، لبيان بطلان قول هذا الشيخ : أنه لم يسبقه إليه أحد من أهل العلم ، ولم يعمل به أحد من الأمة ، وحال الأمة في مشارق الأرض ومغاربها : كاف في رد ذلك عليه .
والله أعلم .