عنوان الفتوى : الحج عمن مات غير مستطيع بين المشروعية وعدمها
والدي توفاه الله قبل أن يحج وكان طوال حياته لا يستطيع ماديا أن يحج فهل أحج عنه وقد حججت عن نفسي أم يعتبر أنه قد سقط عنه الحج بوفاته ولم يكن مستطيعا ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن الحج أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. متفق عليه.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس: إن الله كتب عليكم الحج، فقام الأقرع بن حابس فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فقال: لو قلتها لوجبت، ولو وجبت لم تعملوا بها ولن تستطيعوا أن تعملوا بها، الحج مرة فمن زاد فهو تطوع. رواه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه.
وقد اتفق العلماء على أن مناط وجوب الحج على المسلم: الاستطاعة، لقول الله تعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً [آل عمران:97].
خص المستطيع بالوجوب، فدل على نفيه عن غيره، وممن نقل الإجماع على ذلك النووي في المجموع 7/63 وشيخ الإسلام في شرح العمدة 2/174.
والاستطاعة: هي القدرة على ثمن الزاد والراحلة -وفي معنى الراحلة ما حدث من المراكب البرية والبحرية والهوائية- بشرط أن يكون ذلك زائداً عن حاجاته الأصلية: كالدين الذي عليه، والمسكن والملبس ونحوه، وعن نفقة من تلزمه نفقتهم مدة غيابه إلى أن يعود، مع توفر القدرة البدنية وأمن الطريق. هذا حاصل مذهب الجمهور، المغني 3/169، والمجموع 7/63.
فإذا كان والدك قد ظل غير مستطيع على هذا النحو طول حياته حتى مات، فقد سقط وجوب الحج عنه، ولا يلزم الحج عنه بعد موته.
وهل يشرع لك أن تحج عنه، أم لا؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
الأول: أن ذلك لا يشرع لقوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى [النجم:39].
وقوله صلى الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: ولد صالح يدعو له، أو صدقة جارية، أو علم ينتفع به.
فقد أخبر بانقطاع عمله إلا من هذه الثلاث، وهذا مذهب مالك والشافعي المجموع 114/7، والمنتقى 2/270 والتحرير والتنوير 4/23، كتاب الفقه المالكي وأدلته.
الثاني: أن ذلك يشرع قياساً على مشروعية الصدقة والاستغفار له الثابتة بالإجماع، ولأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، والله أكرم من أن يوصل إليه العقوبة ولا يوصل إليه المثوبة، وهذا مذهب الحنفية والحنابلة.
والراجح أنه يستحب لك أن تحج عنه، لما في ذلك من البر به بعد موته، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا رزين فقال: حج عن أبيك واعتمر. رواه أحمد في مسنده.
والله أعلم.