عنوان الفتوى : حكم إخراج زكاة المحجور عليه للخرف
قضت المحكمة الشرعية بالحجر على الوالد؛ بسبب الخرف، وعينتني قيِّما عليه. وللوالد سيارة أستعين بها في قضاء حوائج الوالد والوالدة، وكذلك مشاويري الخاصة. فهل يجوز ذلك؟ وعلى من تقع قيمة صيانة السيارة، والترخيص السنوي؟ وهل يمكنني أن أستعين بإخوتي، وبغير إخوتي لقضاء حوائج الوالد، والوالدة بأجر؟ وكيف تؤدى زكاته ؟ وما هي الشروط؟ أفيدوني جزاكم الله خيرا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتويين: 133279، 142143 أنه لا يجوز أن يتصرف في مال المحجور إلا على النظر، والاحتياط، وأن النفقة تكون بالمعروف.
وعليه، فإن تبرع أحد إخوتك، أو غيرهم بالقيام بحوائج الوالد دون أجر، لم يجز أن تستأجر، وإن لم تجد أنفقت بالمعروف، ولم تُحابِ.
جاء في الغرر البهية، في شرح البهجة الوردية للشيخ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري: ... قال في الروضة كأصلها: ولو طلب الأب من القاضي أن يقرر له أجرة عمله، لم يجبه وإن كان فقيرا، وفيه احتمال للإمام؛ لأن له أن يستأجر، فجاز طلبها لنفسه...
إلى أن قال: وظاهر أن محل ما ذُكر، إذا لم يوجد متبرع بالحفظ، والعمل، وإلا لم يجبه إلى ذلك. اهـ.
وأما حوائج والدتك؛ فما كان منها من قبيل النفقة الواجبة على الأب، فنفس الحكم، وما لا يدخل في النفقة بالمعروف، لا يُستأجر له من مال الأب.
وراجع في النفقة الواجبة الفتوى رقم: 131622.
وأما السيارة فقد بينا بالفتوى رقم: 127677حكم أخذ الوصي أجرة، وأن مذهب الإمام أحمد أن له الأقل من كفايته، وأجرة مثله.
فإن كنت فقيراً، وحل لك شيء من ذلك، فلك ركوب السيارة في حوائجك بقدر ما لَك، وإلا فالأصل ألا تقربها إلا بالمعروف، من إجارتها بأجرة مثلها ونحو ذلك، وأما ركوبها في حوائجه، وكذا فيما يلزمه من نفقة الأولاد بالمعروف، فالمشروع أن تفعل الأحظ له؛ فإن كان استعمال السيارة أقل كلفة، استعملتها، وإلا فلا -وإن كان أخف مؤنة عليك-.
وأما الزكاة في ماله: فواجبة عند جمهور العلماء.
قال ابن قدامة في المغني: وجملة ذلك أن الزكاة تجب في مال الصبي، والمجنون؛ لوجود الشرائط الثلاث فيهما، روي ذلك عن عمر، وعلي، وابن عمر، وعائشة، والحسن بن علي، وجابر - رضي الله عنهم -. وبه قال جابر بن زيد، وابن سيرين، وعطاء، ومجاهد، وربيعة، ومالك، والحسن بن صالح، وابن أبي ليلى، والشافعي، والعنبري، وابن عيينة، وإسحاق، وأبو عبيد، وأبو ثور. ويحكى عن ابن مسعود، والثوري، والأوزاعي أنهم قالوا: تجب الزكاة، ولا تخرج حتى يبلغ الصبي، ويفيق المعتوه. قال ابن مسعود: أحصي ما يجب في مال اليتيم من الزكاة، فإذا بلغ أعلمه، فإن شاء زكى، وإن شاء لم يزك. وروي نحو هذا عن إبراهيم. وقال الحسن، وسعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، وأبو وائل، والنخعي، وأبو حنيفة: لا تجب الزكاة في أموالهما.
وقال أبو حنيفة: يجب العشر في زروعهما، وثمرتهما، وتجب صدقة الفطر عليهما. واحتج في نفي الزكاة بقوله - عليه السلام -: «رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق.» وبأنها عبادة محضة؛ فلا تجب عليهما، كالصلاة، والحج.
ولنا، ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من ولي يتيما له مال فليتجر له، ولا يتركه حتى تأكله الصدقة.» أخرجه الدارقطني. وفي رواته المثنى بن الصباح، وفيه مقال، وروي موقوفا على عمر: "وإنما تأكله الصدقة بإخراجها"...
إذا تقرر هذا، فإن الولي يخرجها عنهما من مالهما؛ لأنها زكاة واجبة، فوجب إخراجها، كزكاة البالغ العاقل، والولي يقوم مقامه في أداء ما عليه؛ ولأنها حق واجب على الصبي، والمجنون، فكان على الولي أداؤه عنهما، كنفقة أقاربه، وتعتبر نية الولي في الإخراج، كما تعتبر النية من رب المال. انتهى.
وراجع في شروط، وأحكام الزكاة الفتوى رقم: 223843، وتوابعها.
ونسأل الله أن يعينك على القيام على مال أبيك بالعدل، وأن يعفو عن أبيكم.
والله أعلم.