عنوان الفتوى : مسائل في الوعد واليمين والشك في الحنث
أعاني من الوسوسة وأتذكر أنني وعدت الله ألا أفعل شيئا كـأن أتخيل شيئا، ولا أذكر هل قلت: أعدك يا رب أن لا أفعل ذلك أم يا رب إذا لم يكن هذا الفعل يرضيك فلن أفعله، وأحيانا بغير إرادتي أقوم بالتخيل وأصرف ذلك الخيال على الفور وهنا تبدأ الوسوسة وأشك هل حنثت؟ وهل تعمدت ذلك أم أتى بغير إرادة مني، فماذا علي في هذه الحالة؟ وقد حلفت على شيء من قبل أن لا أفعله وقد فعلته، وحلفت بعد أن فعلته أنني لن أفعله مجددا وفعلته، فهل علي كفارتان؟ حنثت مرتين ولكنني أشك وأخشى أنها أكثر، وكنت أجهل أنني إذا حلفت على شيء تجب علي كفارة، ومنذ زمن تشاجرت مع صديقتي وأرسلت لي رسالة وحلفت أنها لن تتصل علي مجددا ولم أكن أريد الحلف، وهل حلفت غضبا منها بعد أن حلفت هي أم لا؟ وهل هي من اتصلت علي أم لا؟ فماذا علينا في هذه الحالة؟.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك ويصرف عنك السوء ويهديك لأرشد أمرك، فقد بلغ منك الوسواس مبلغا عظيما وأضر بك ضررا بالغا، وسبب ذلك هو استرسالك مع هذه الوساوس والتخيلات واستسلامك لها وعدم مجاهدتك نفسك في تركها والإعراض عنها، وقد بينا مرارا وتكرارا أن علاج الوساوس الذي لا علاج لها غيره ولا أنجع منه ـ بعد الاستعانة بالله ـ هو الإعراض عنها وعدم الاكتراث بها ولا الالتفات إلى شيء منها، وانظر الفتويين رقم: 51601، ورقم: 134196.
وقولك: أعدك يا رب أن لا أفعل ذلك، وكذا قولك: يا رب إذا لم يكن هذا الفعل يرضيك فلن أفعله ـ كلاهما وعد يستحب الوفاء به، فإن الوفاء بالوعد أياً كان من صفات المؤمنين، وإخلافه يعد من صفات المنافقين، فقد قال صلى الله عليه وسلم: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان. متفق عليه.
ولا شك أن الوفاء بالوعد لله تعالى أحق وأولى من الوفاء لغيره، وخاصة إذا كان الوعد بترك معصية، فيجب الوفاء حينئذ لوجوب التوبة إلى الله تعالى من المعصية، وانظر الفتوى رقم: 221425.
وأما حلفك على شيء ألا تفعله وفعلته، ثم حلفت بعد ذلك ألا تفعله ففعلته مرة أخرى، ثم شككت هل حنثت مرتين أو أكثر؟ فالجواب: أن ما تيقنت منه أنك حنثت فيه فتلزمك فيه الكفارة، وما شككت فيه فلا شيء عليك، جاء في الموسوعة الفقهية في موضوع الشك في اليمين: إما أن يكون الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا، كشكه في وقوع الحلف، أو الحلف والحنث؟ فلا شيء على الشاك في هذه الصورة، لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك. انتهى.
وأما جهلك بما يترتب على الحلف من الكفارة، فلا أثر له، قال الشيخ العثيمين في فتاويه: وأما الجهل بما يترتب على الفعل، فليس بعذر. انتهى.
وقد ذكر ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: أن الحالف إذا حلف لغريمه: لا فارقتك ـ فأحاله الغريم بحقه فظن أنه قد بر بذلك، ففارقه، فإن الصحيح فيه أنه يحنث، ثم علل ذلك بقوله: لأن هذا جهل بحكم الشرع فيه، فلا يسقط عنه الحنث، كما لو جهل كون هذه اليمين موجبة للكفارة. انتهى.
ولبيان كفارة اليمين يرجى الاطلاع على الفتوى رقم: 2053.
وأما الحلف الذي كان منك ومن صديقتك كما ذكرت، فقبل الجواب عن ذلك، وبناء على أن السائل من الذكور كما في بيانات السؤال نقول: يجب أن تعلم أن الصداقة بين الرجال والنساء الأجنبيات عليهم لا تباح في الإسلام، وأنها ستؤدي في الغالب إلى أنواع أخرى من المحرمات، وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء.
وراجع الفتوى رقم: 30194.
وبخصوص اليمين التي كانت بينكما، ففي يمينك أنت تفصيل، وهو أن الكفارة تلزمك بتكليمها إن كان قصدك باليمين أن لا تكلمها مطلقا سواء كنت أنت المتصل أم هي، وأما إن كنت تقصد بيمينك أن لا تتصل أنت بها فلا يلزمك شيء بردك على اتصالها، وأما هي فتلزمها كفارة يمين باتصالها بك، وليس مجرد الغضب أو كونها طلبت منك أن تحلف بمؤثر في الحلف والحنث والكفارة.
والله أعلم.