عنوان الفتوى : التوبة النصوح من السرقة لا تتم إلا برد المال لأهله
استقمت منذ سنة، ومما فعلته قبل الاستقامة أنني سرقت إطارات وعفريتة، واستخدمت ذلك في سيارة أبي منذ ست سنوات تقريبًا، والعفريتة موجودة، لكني لا أعلم هل تم تبديل الإطارات أم لا؛ لأن أبي تعدى الثمانين، ولا أستطيع معرفة ذلك منه، فماالعمل في ذلك؟ علمًا أنني قد يتعذر عليّ معرفة المسروق، وهناك أشياء سرقتها لا أتذكرها جيدًا؛ لأنني كنت مخمورًا.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا ولك الثبات على دين الله، والاستقامة على صراطه المستقيم، واعلم أن التوبة النصوح من السرقة لا تتم إلا برد المال لأهله؛ لما في حديث المسند: على اليد ما أخذت حتى تؤديه.
قال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: يجب على من عنده مظالم للناس إذا تاب إلى الله أن يرد المظالم إلى أهلها، فلو سرق إنسان من شخص سرقة، وتاب إلى الله، فلا بد أن يرد السرقة إلى صاحبها، وإلا لم تصح توبته، ولعل قائلًا يقول: مشكلة إن رددتها إلى صاحبها أفتضح، وربما يقول صاحبها إن السرقة أكثر من ذلك، فيقال يستطيع أن يتحيل على هذا بأن يكتب مثلًا كتابًا، ولا يذكر اسمه ويرسله إلى صاحب السرقة مع السرقة، أي مع المسروق، أو قيمته إن تعذر، ويقول في الكتاب: هذه لك من شخص اعتدى فيها، وتاب إلى الله، ومن يتقي الله يجعل له مخرجًا. انتهى.
فعليك أن تسعى بكل وسيلة تستطيعها حتى ترد ما تعلم أنه يبرئ ذمتك من المال إلى أصحابه، أو أن تطلب منهم المسامحة، فإن سامحوك فقد برئت ذمتك، وإن لم تتمكن من معرفة أصحاب المسروقات بعد الاجتهاد والبحث عنهم، فتصدق بها عنهم، وتكون الصدقة على أنه متى ما وجدت أصحاب المسروقات خيّرتهم بين أن ترد عليهم مثل ما أخذت منهم أو قيمتها، وبين أن يقبلوها صدقة عنهم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله-: إذا كان بيد الإنسان غصوب، أو عواري، أو ودائع، أو رهون قد يئس من معرفة أصحابها، فإنه يتصدق بها عنهم، أو يصرفها في مصالح المسلمين، أو يسلمها إلى قاسم عادل يصرفها في مصالح المسلمين المصالح الشرعية.. فإن حبس المال دائمًا لمن لا يرجى لا فائدة فيه، بل هو تعرض لهلاك المال، واستيلاء الظلمة عليه، وكان عبد الله بن مسعود قد اشترى جارية فدخل بيته ليأتي بالثمن، فخرج فلم يجد البائع، فجعل يطوف على المساكين، ويتصدق عليهم بالثمن، ويقول: اللهم عن رب الجارية، فَإِنْ قُبِلَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلْ فَهُوَ لِي، وَعَلَيَّ لَهُ مِثْلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَكَذَلِكَ أَفْتَى بَعْضُ التَّابِعِينَ مَنْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَتَابَ بَعْدَ تَفَرُّقِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِذَلِكَ عَنْهُمْ، وَرَضِيَ بِهَذِهِ الْفُتْيَا الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ الَّذِينَ بَلَغَتْهُمْ، كمعاوية، وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ. انتهـى.
وإذا كنت تجهل مقدار المسروقات، فاجتهد برد ما يغلب على ظنك براءة ذمتك به، أو التصدق بما يعادلها إن لم تصل إلى أصحابها، والمسروقات إذا كانت قائمة بعينها فتردها، وإذا حصل فيها نقص ضمنتها بأرشها، وإذا كنت قد استهلكتها ضمنت مثلها إن كانت مثلية، أو قيمتها إن كانت متقومة، قال في مطالب أولي النهى: يَرُدُّ سَارِقٌ مَا سَرَقَهُ لِمَالِكِهِ، وَإِنْ تَلَفَ مَسْرُوقٌ فَعَلَى سَارِقٍ بَدَلُهُ، وَيَكُونُ مِثْلَ مِثْليْ، وَقِيمَةَ مُتَقَوِّمٍ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.. انتهى.
وجاء في الموسوعة الكويتية: لا خلاف بين الفقهاء في وجوب رد المسروق إن كان قائمًا إلى من سرق منه، سواء كان السارق موسرًا أو معسرًا، سواء أقيم عليه الحد أو لم يقم، وسواء وجد المسروق عنده أو عند غيره؛ لما روي من أن الرسول صلى الله عليه وسلم رد على صفوان رداءه وقطع سارقه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: على اليد ما أخذت حتى تؤدي ـ ولا خلاف بينهم كذلك في وجوب ضمان المسروق إذا تلف، ولم يقم الحد على السارق، لسبب يمنع القطع كأخذ المال من غير حرز، أو كان دون النصاب، أو قامت شبهة تدرأ الحد، أو نحو ذلك، وحينئذ يجب على السارق أن يرد المسروق ـ إن كان مثليًا ـ وقيمة، إن كان قيميًا. انتهى.
والعبرة في قيمة المسروقات التي سرقتها وقد أتلفتها هي قيمتها يوم قبضك لها على ما رجحه كثير من أهل العلم، ففي شرح الخرشي لمختصر خليل عند قول خليل: فإنه يضمن لمالكه مثل المثلي، وقيمة المقوم يوم وضع يده عليه. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتويين رقم: 103314، ورقم: 136917.
والله أعلم.