عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في الجمع ‏في الحضر دفعا للمشقة

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

في منطقتنا "سياتل" الأمريكية، ‏نصلي العشاء الساعة 11:00، ‏والفجر الساعة 4:30 في أضيق وقت ‏ليل في شهري يونيو، ويوليو.‏ وفي مسجدنا يريدون هذا العام أن ‏يصلوا المغرب، والعشاء جمع تقديم ‏طوال شهر رمضان؛ عملا بحديث ‏الجمع في غير سفر، ولا مطر، علما ‏بأنهم يصلون العشاء الساعة 11:00 ‏في غير أيام رمضان.‏ ‏ فهل يعتبر هذا جائزا دفعا للمشقة؟ ‏وما هو الأفضل؟ جزاكم الله خيرا.

مدة قراءة الإجابة : 9 دقائق

الحمد لله، والصلاة والسلام على ‏نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه، ‏ومن والاه، أما بعد:‏

فالأصل أن تصلى كل صلاة لوقتها ‏الذي وقته الشارع لها، ما دامت ‏أوقات الصلوات متمايزة بعضها عن ‏بعض.

  وقد سئلت اللجنة الدائمة ‏السؤال التالي: وقت العشاء في ‏أوربا يصل في هذه المدة الصيفية ‏إلى منتصف الليل تقريبا، وكل من ‏العمال، والأبناء الصغار لا يستطيعون ‏صبرا حتى يؤدوا هذه الفريضة في ‏وقتها المعين. فهل يجوز لهم جمعها ‏مع المغرب، مع وقت صلاة المغرب ‏في هذه المدة، والفجر يكون مع ‏الرابعة صباحا؟

فأجابت بقولها: لا يجوز تقديم العشاء مع المغرب، لما ‏ذكرت، بل يجب أن تصلى العشاء في ‏وقتها الذي يبدأ بغروب الشفق ‏الأحمر، وعلى المسلم أن يصبر ‏ويحتسب الأجر في ذلك؛ لقول الله ‏تعالى: { إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى ‏الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}. ولعموم ‏الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى ‏الله عليه وسلم الدالة على مواقيت ‏الصلاة وبالله التوفيق. اهــ.
 وعامة العلماء على أن الجمع في ‏الحضر لا يجوز إلا في المطر.

  قال ‏ابن عبد البر: وأجمع العلماء على ‏أنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين في ‏الحضر لغير عذر المطر، إلا طائفة ‏شذت. اهـ.‏
 وهناك بعض أهل العلم أخذوا بحديث ‏ابن عباس الذي أشرت إليه في ‏السؤال، ورأوا جواز الجمع في ‏الحضر من أجل المشقة، وقيده ‏بعضهم بألا يتخذه عادة.

  قال‏ النووي في شرحه لصحيح مسلم: ‏وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز ‏الجمع في الحضر للحاجة، لمن لا ‏يتخذه عادة. وهو قول ابن سيرين، ‏وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه ‏الخطابي عن القفال، والشاشي الكبير ‏من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق ‏المروزي، عن جماعة من أصحاب ‏الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ‏ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا ‏يحرج أمته. فلم يعلله بمرض. اهــ.
وأطلق بعض العلماء جواز الجمع ‏في الحضر للمشقة، ولم يقيدوه بألا ‏يتخذ عادة.

  قال ابن تيمية: ‏فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في ‏الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته، ‏فيباح الجمع إذا كان في تركه حرج ‏قد رفعه الله عن الأمة؛ وذلك يدل على ‏الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه ‏بتفريق الصلاة بطريق الأولى ‏والأحرى، ويجمع من لا يمكنه إكمال ‏الطهارة في الوقتين إلا بحرج ‏كالمستحاضة، وأمثال ذلك من الصور ‏‏.اهـ.‏
وقال ابن عثيمين عن البلاد التي ‏يتأخر فيها وقت العشاء: إن كان ‏الشفق لا يغيب حتى يطلع الفجر، أو ‏يغيب في زمن لا يتسع لصلاة العشاء ‏قبل طلوع الفجر، فهؤلاء في حكم من ‏لا وقت للعشاء عندهم، فيقدرون ‏وقته بأقرب البلاد إليهم ممن لهم ‏وقت عشاء معتبر، وقيل يعتبر بوقته ‏في مكة لأنها أم القرى.

وإن كان الشفق يغيب قبل الفجر ‏بوقت طويل يتسع لصلاة العشاء، ‏فإنه يلزمهم الانتظار حتى يغيب، إلا ‏أن يشق عليهم الانتظار، فحينئذ يجوز ‏لهم جمع العشاء إلى المغرب جمع ‏تقديم، دفعاً للحرج والمشقة؛ لقوله ‏تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ ‏بِكُمُ الْعُسْرَ. ولقوله تعالى: وَمَا جَعَلَ ‏عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وفي ‏صحيح مسلم عن عبد الله بن عباس- ‏رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله ‏عليه وسلم جمع بين الظهر ‏والعصر، وبين المغرب والعشاء في ‏المدينة من غير خوف، ولا مطر. ‏قالوا: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد ألا ‏يحرج أمته. أي لا يلحقها الحرج ‏بترك الجمع. وفق الله الجميع لما فيه ‏الخير والصلاح. اهـ.‏
وعلى كل حال: فالمسألة محل خلاف، ‏واجتهاد بين أهل العلم، والذي نراه ‏هو الأخذ بقول الجمهور القاضي ‏بعدم الجمع في هذه الحالة؛ لأن ذلك ‏هو الذي يتسق مع ظواهر ‏النصوص، وكلام عامة العلماء. ‏والجمع لمدة شهر كامل في مسجد ‏الجماعة لعموم الناس مشكل، حتى ‏على القول بجواز الجمع للمشقة.

  ‏ومن خشي منكم أن يغلبه النوم قبل ‏دخول وقت العشاء، فليبذل الأسباب ‏التي يستيقظ بها لصلاة العشاء قبل ‏خروج وقتها، لا سيما في رمضان، ‏فإنكم ستقومون للسحور، ومن غلبه ‏النوم ولم يستيقظ، فلا تفريط في ‏النوم، وليقض الصلاة حين يستيقظ.‏
  وقد بينا في عدة فتاوى سابقة حكم الجمع بين الصلاتين في البلاد التي يتأخر فيها دخول العشاء، ويقرب فيها من دخول وقت الفجر ؛ فانظر الفتاوى التالية أرقامها: 213139   // 75413 //  130383 // 157963 .

والله أعلم.