عنوان الفتوى : حكم من كان محافظا على الصلاة ومات وهو يلعب
أرجوكم أجيبوني. صديقي مات وهو يلعب، ولكنه كان يصلي الصلاة في وقتها. هل يدخل النار لأنه مات وهو غافل عن الله؟ أرجوكم أفهموني، تعبت نفسيتي، لا أستطيع أن أدرس، أو ألعب. أنا أصلي، أخاف أن أدرس، أو ألعب، فأنشغل باللعب، أو الدراسة، فأغفل عن الله. أرجوكم أفهموني ماذا أفعل؟ لا أستطيع الاختلاط مع الناس.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله لنا، ولك، ولجميع المسلمين الاستقامة على طاعته، والثبات على دينه، فالاستقامة على طاعة الله، والثبات عليها يجب أن يكونا هاجس كل مؤمن بلقاء الله تعالى؛ لأنهما سبيل السعادة في الدنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت: 30-31-32 ]. وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف: 13-14].
وفي المسند وصحيح مسلم وغيرهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله مرني في الإسلام بأمر لا أسأل عنه أحداً بعدك قال: قل آمنت بالله، ثم استقم.
ومن الواضح تلازم الإيمان بالله تعالى، والاستقامة على أوامره، والثبات عليها كما في هذه النصوص وغيرها.
والسبيل إلى الاستقامة والثبات على الدين هو الاستعانة بالله تعالى، والالتجاء إليه سبحانه، والعمل بمقتضى كتابه، واتباع هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، ومصاحبة أهل الخير الذين يدلون على طاعة الله تعالى، ويرغبون فيها، ويحذرون من طاعة الهوى، وإغواء الشيطان.
مع البعد عن قرناء السوء المنحرفين عن سبيل الهدى، المتبعين للهوى، فإنه قد قيل سابقاً:
عن المرء لا تسأل وأسأل عن قرينه * فكل قرين بالمقارن يقتدي
وقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إنما مثل الجليس الصالح، والجليس السوء كحامل المسك، ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة. متفق عليه.
وبناء عليه، فننصحك بالبعد عن العزلة، والحرص على صحبة الأخيار، ومواصلة دراستك؛ فإن العزلة والفراغ من أسباب تسلط الشيطان على العبد.
وأما عن اللعب: فإن اللعب منه ما هو مرغب فيه كالفروسية، والرماية؛ وذلك لما جاء في مسند الإمام أحمد من قوله صلى الله عليه وسلم: كل ما يلهو به الرجل المسلم فهو باطل؛ إلا رميته بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق.
ومثل هذه المذكورات ما كان من الرياضة فيه بناء الجسم، وحفظ الصحة، كالسباحة، والمبارزة، والمصارعة، فهذا أو مثله لا بأس في ممارسته، إذا لم يحتف به ما يجعله محرماً.
ومن الألعاب ما هو مباح، ولكن يشترط لجوازه أن لا يشتمل على أمور محرمة كالمقامرة، والصور المحرمة، والاختلاط، والمعازف وغير ذلك، وألا يؤدي إلى تضييع الأوقات، والانشغال عن الواجبات .
وأما صديقك فقد أفضى إلى ما قدم، ولا يمكننا الجزم بدخوله النار، أو سلامته منها؛ لجهلنا بالغيب، وبحكم ألعابه، وما دام يصلي، فنرجو له الخير والرحمة، ونوقن أن الموحدين قد يدخل بعضهم النار لفترة، ولكنه لا يخلد فيها أحد منهم.
والله أعلم.