عنوان الفتوى : يتساءل لماذا نجد غير المسلمين أفضل أخلاقا وتطورا؟!
إذا كان المسلم خيرا وأفضل من سائر البشر، لِمَ نجد اليابانيين ـ الذين هم أغلبهم وثنيِّون، أو ملحدون ـ أفضل أخلاقا وتعاملا وتطورا، بينما المفروض أن يكون المسلمون أعلى منهم بسبب كونهم مسلمين وقريبين من الله أكثر؟
الحمد لله
من الملاحظ في الآونة الأخيرة تكاثر مثل هذه النوع من الأسئلة ، التي تنحو منحى
المقارنة بين الأمة الإسلامية وغيرها من الأمم ، على مستوى الأفراد والشعوب والدول،
والسبب في هذه التساؤلات ما يعيشه المسلمون اليوم من واقع أليم ، تضاعفت آلامه مع
وقع الدماء التي تسيل في العديد من العواصم الإسلامية الكبرى ، لتتراجع معها جميع
مظاهر النهضة والتنمية والحضارة ، فيثور مثل هذا التساؤل الكبير .
وهو تساؤل مشروع، ولكنه - في الوقت نفسه – ليس سؤالا أصيلا ، بقدر ما هو عارض
وطارئ، بمعنى أن دراسة تأثير الأديان على الأفراد والمجتمعات : لا تتم بهذه الطريقة
المختزلة، بالاعتماد على تقدير عام ومجمل عن شعب اليابان مثلا ، مقارنة ببعض الشعوب
العربية، بل لا بد أن تؤطر مثل هذه الدراسات بأطر محكمة من الدقة والموضوعية
والإحصائيات والأرصاد الاجتماعية. كي يتمكن الباحث من إقناع المخالفين له بالنتيجة
التي يتوصل إليها.
ولكن لما كان هذا الأمر متعذرا في صفحات موقعنا المتوسطة ، نشير هنا إلى أجوبة مهمة
على هذا التساؤل، لعلها تكون كافية ومقنعة بإذن الله ، فنقول:
أولا:
أكدنا مرارا وتكرارا في أجوبة سابقة ، وفي مقامات عديدة، أن التدين إذا اقتصر على
الجانب الشعائري بين العبد وربه ، دون التعبد بما يكون من صلاح العبد فيما بينه
وبين الناس ، في صدقه ، وأمانته ، ووفائه بالعهد ، وترك التظالم ، وأكل أموال الناس
بالباطل ، ونحو ذلك ؛ إذا حرم العبد هذا التخالق الحسن مع الناس ، فليس هذا هو
الإيمان الممدوح من صاحبه ، ولا الحال المرضي عند الله ، وما بهذا يؤمل في فلاح
العبد ، ولا صلاح المجتمع .
فالإسلام الذي أمر العباد بالصلاة والصيام والزكاة والحج، هو ذاته سبحانه الذي
أمرهم أيضا بحسن الجوار، والعطف على الضعيف والمسكين، والإتقان في العمل، والصدق في
القول، والمروءة في التواصل مع سائر البشر، إلى آخر القائمة الطويلة من الأخلاق
الفاضلة التي هي سمة المسلم الحقيقي.
يمكنك أن تستنتج من هذا، أن دول العالم الإسلامي، إذا استطاعت حقا أن تلتزم
بالإسلام ، عبادة ومنهجا وسلوكا، فلن يكون مكانها أبدا إلا في مصاف الدول المتقدمة،
وعلى رأس القوائم في جميع جوانب التنمية ومؤشرات الإصلاح والعدالة والسعادة. وكل ما
يخالف هذا "الفرض" فلا يمثل الإسلام الحقيقي ، الكامل الممدوح ، ولا يمثل المسلمين
الحقيقيين.
ثانيا:
لا يدعي الإسلام ولا المسلمون أن غير المسلمين تلازمهم حالة التخلف والجهل وفساد
الأحوال مطلقا، لم يرد ذلك في القرآن الكريم، ولم تنص عليه السنة النبوية المطهرة،
بل إن القرآن الكريم يشهد بخلاف ذلك، وذلك حين أكد صفة "العلم" بالدنيا وأحوالها
وطرائقها ، لكثير من غير المسلمين، قال تعالى: (وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ
اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ
ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)
[الروم: 6، 7]. وأثنى على بعض أخلاق غير المسلمين مثل الأمانة، قال عز وجل: (وَمِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ
مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ
عَلَيْهِ قَائِمًا) آل عمران/ 75.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بلغه شيء عما وصلت الحضارة الرومية والفارسية
التي تحيط بالجزيرة العربية من تقدم مادي، وتطور عمراني وصناعي واقتصادي، ولم يخبر
أبدا عليه الصلاة والسلام أن ذلك كذب وخرافة ، أو أن واقعهم هو الفقر والجهل
والتخلف ؛ وإن لم يكن هذا هو الميزان الكلي الذي يوزن به الناس ، ويقدر به حالهم .
وهكذا فالإسلام دين الإنصاف والموضوعية، يرشدنا إلى أن الناس – مسلمهم وكافرهم –
فيهم نوازع الخير ونوازع الشر، وأن العباد الذين يملؤون جنبات الأرض فيهم الصالحون
وفيهم الفاسدون، والنجاح في الدنيا ليس حكرا على المسلمين أبدا .
وإنما الإسلام الحقيقي سبب أكيد في تحقيق النجاح والفلاح والإصلاح في الدنيا
والآخرة، إذا فهم الإسلام بمفهومه الإصلاحي الشامل لكل جوانب الحياة، وامتثل
المسلمون ذلك، وليس باجتزاء أهوائي يؤدي إلى الظلم والفساد والطغيان .
وحاصل النظر ، ها هنا :
أن الأخذ بمجامع الإسلام ، وشعب الإيمان : هو أعظم سبيل لنيل الفلاح والنجاح في
الدارين .
فأما من لم تكن الآخرة همه ، ولا شأنه ، فإنه يبلغ من الدنيا بحسب سعيه فيها ،
وأخذه بأسبابها، ويأتيه من أرزاقها وخيراتها ، بحسب ما عمله من ذلك ، وما قدره الله
له ؛ وإن لم يكن بذلك ممدوحا عند الله ، ولا حاله كاملا ، ولا له في الآخرة : نصيب
ولا حظ عند الله .
قال الله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ
إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ
الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا
فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود/15-16 .
وقال تعالى : ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا
نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا
مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ
مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ
فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ
تَفْضِيلًا ) الإسراء/18-21 .
ثالثا:
والواقع خير دليل على ذلك ، فقد عاش المسلمون في التاريخ عصورا ذهبية زاهية ، ارتقت
فيها البلاد إلى أجمل صور الصلاح والعدالة الممكنة حينها، وازدهرت العلوم والأعمال
والأخلاق والأسر والدول حتى غدت مشاعل إصلاح ونهضة للعالم كله، وعن هذه الحضارة
الإسلامية العظيمة اقتبست الحضارات الأوروبية المتخلفة في ذلك الوقت ، فبلغت هذا
التقدم الذي تعيشه اليوم ، بسببٍ مما اقتبسته عن الأمة الإسلامية وأبدعته من تلقاء
نفسها، وتراجعت أمتنا بسبب تخليها عن أسباب تقدمها الأولى التي جربتها فيما مضى،
وبسبب تخليها عن أسباب النهضة المعاصرة ،وقد سطرت في ذلك الدراسات التاريخية
المحكمة، مثل:
1. "العلم عند العرب وأثره في تطور العلم العالمي"، الدوميلي، ترجمة عبد الحميد
النجار.
2. "العرب والحضارة الأوروبية"، محمد الشوباشي.
3. "المعجزة العربية"، ماكس فانتاجو، ترجمة رمضان لاوند.
4. "أثر العرب في الحضارة الأوروبية"، جلال مظهر.
5. "فضل الإسلام على الحضارة الغربية"، مونتجمري وات، ترجمة حسين أحمد أمين.
6. "دور الحضارة العربية الإسلامية في النهضة الأوروبية" لكل من الأستاذين: هاني
المبارك، وشوقي أبو خليل.
7. "فضل علماء المسلمين على الحضارة الأوروبية" للدكتور عز الدين فراج.
8. "دور الحضارة العربية الإسلامية في تكوين الحضارة الغربية" للدكتور محمد أبو
حسان.
وغيرها الكثير جدا مما يشق حصره، فضلا عن إيراد شيء من مباحث هذه الكتب والأمثلة
التي تبين للقارئ على وجه القطع التاريخي كيف كانت الحضارة الإسلامية منارة علم
وتقدم للعالم كله في وقت من الأوقات، الأمر الذي يزيل عنه الشكوك السلبية حول تأثير
الدين على هذا الجانب.
رابعا:
ومع ذلك فإن من المغالطة الظاهرة الجزم بتأخرنا وتقدم الآخرين علينا بهذا الجزم
المطلق، فالأمر لا يخلو من نسبية، والتنافس متوفر بشكل أو بآخر، وقد حققت كثير من
الدول الإسلامية اليوم والحمد لله جانبا مهما من جوانب السلم والأمان في جميع
الجوانب والمعايير الدولية، فبحسب "مؤشر السلام العالمي" الذي يعده "معهد الاقتصاد
والسلام"، جاءت ماليزيا في المرتبة (30)، ودولة قطر في المرتبة (34)، وهي من الأعلى
سلما، في حين جاءت كل من فرنسا وبريطانيا في المرتبتين (46) (47)، وأمريكا في
المرتبة (103)، وذلك بحسب إحصائيات عام (2016م). يمكنك الاطلاع عليه على الرابط
الآتي:
http://economicsandpeace.org/wp-content/uploads/2016/06/GPI-2016-Report_2.pdf
https://goo.gl/jTqw9t
وهذا المؤشر ذو مصداقية عالية، يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من المعايير المنهجية،
بحسب الإحصائيات الحكومية الرسمية، مثل عدد جرائم القتل لكل (100) ألف من السكان،
مستوى جرائم العنف، عدد المسجونين، الإنفاق العسكري، الحروب الداخلية والخارجية،
ونحوها.
هذا وثمة مجموعة مهمة من الأرقام للمعدلات العالية جدا في الدول غير الإسلامية
لأنواع الجرائم والفساد، يمكنك الاستعانة بالمقال الآتي للاطلاع عليها:
https://goo.gl/03fq7z
وقد نشرت وكالة رويترز في العام (2002م) – وعنها أخذت معظم وسائل الإعلام - تقريرا
عن وصول معدلات الجريمة في اليابان إلى مستويات قياسية جدا منذ الحرب العالمية
الثانية، حيث وصلت إلى نحو (مليونين وثمانمائة ألف جريمة)، الرقم الذي لم تبلغه
كثير من الدول العربية والإسلامية، لو روعيت نسبة عدد السكان، مما استدعى من
السلطات اليابانية حملات مكثفة على المستوى القومي للعمل على خفض الرقم إلى أدنى
مستوى له، فحققت السلطات نجاحا كبيرا في هذا المضمار، ولكن المقصود التمثيل على أن
الأمر ليس دليلا على تصحيح ديانتهم ، ولا على فساد ديانة المسلمين، وإنما لا بد من
تناول الموضوع من جميع جوانبه المتعلقة.
https://goo.gl/TFsx4L
والله أعلم.
أسئلة متعلقة أخري | ||
---|---|---|
لا يوجود محتوي حاليا مرتبط مع هذا المحتوي... |