عنوان الفتوى : مذاهب العلماء في ذبائح نصارى العرب
شيخي الحبيب، أرجو الجمع بين قوله تعالى "وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " وقوله تعالى" ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه " وهل مسيحيو هذا العصر من أهل الكتاب أم لا؟ ( كما ذكر عمر رضي الله عنه أن عرب النصارى لا يؤكل أكلهم لأنهم دخلوا فيه بعدما بدل ). وإن كان قد قال ذلك، أفليس عند نزول الإسلام كانوا أهل الكتاب حينها، يتبعون الكتاب المحرف والمبدل أيضا! فلماذا ذكرهم الله بأهل الكتاب وحلل أكلهم ! أرجو الجمع بين الآيتين وتوضيح قول عمر رضي الله عنه عن النصارى. لأن الله لم يختص فصيلة معينة من أهل الكتاب!
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق بيان الجمع بين الآيتين الكريمتين في الفتوى رقم: 134504.
وأما ذبائح أهل النصارى من العرب فقد ذهب بعض أهل العلم إلى اشتراط دخول أول آبائهم في دينهم قبل الإسلام ، ومنهم من لم يشترط ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية: "واشترط الشافعية في كل من اليهود والنصارى ألا يعلم دخول أول آبائهم في الدين بعد بعثة ناسخة , فاليهودي الذي علمنا دخول أول آبائه في اليهودية بعد بعثة المسيح عليه السلام لا تحل ذبيحته , والنصراني الذي علمنا دخول أول آبائه في المسيحية بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم لا تحل ذبيحته ; لأن الدخول في الدين بعد البعثة الناسخة له غير مقبول فيكون كالردة . وقال ابن تيمية : إن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم يستفيده بنفسه لا بنسبه , فكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم , سواء كان أبوه أو جده قد دخل في دينهم أم لم يدخل , وسواء أكان دخوله بعد النسخ والتبديل أم قبل ذلك , وهو المنصوص الصريح عن أحمد" ا.هـ
فعلى قول شيخ الإسلام يكون النصارى في عصرنا من أهل الكتاب.
وقد جاء النهي عن ذبيحة نصارى العرب في حديث ضعيف أخرجه أبو نعيم في الحلية وابن عدي عن ابن عباس مرفوعا : نهى عن ذبيحة نصارى العرب.
وأما الآثار عن السلف في ذلك فهي متعارضة ، فمنها ما يدل على عدم الجواز؛ كأثر عمر رضي الله عنه الذي أخرجه الشافعي في كتاب الأم ، وكذلك ما ورد عن علي رضي الله عنه. ومنها ما يدل على الجواز كالذي ثبت من قول ابن عباس ، ويذكر أيضا عن علي رضي الله عن الجميع.
جاء في صحيح البخاري: "وقال الزهري: لا بأس بذبيحة نصارى العرب ، وإن سمعته يسمي لغير الله فلا تأكل ، وإن لم تسمعه فقد أحله الله لك وعلم كفرهم. ويذكر عن علي نحوه"
قال ابن حجر : قَدْ جَاءَ عَنْ عَلِيّ مِنْ وَجْه آخَر صَحِيح الْمَنْع مِنْ ذَبَائِح بَعْض نَصَارَى الْعَرَب. أَخْرَجَهُ الشَّافِعِيّ وَعَبْد الرَّزَّاق بِأَسَانِيد صَحِيحَة " عَنْ مُحَمَّد بْن سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيّ عَنْ عَلِيّ قَالَ : لَا تَأْكُلُوا ذَبَائِح نَصَارَى بَنِي تَغْلِب , فَإِنَّهُمْ لَمْ يَتَمَسَّكُوا مِنْ دِينهمْ إِلَّا بِشُرْبِ الْخَمْر" اهـ
وفي موطأ مالك عن عبد الله بن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال : لا بأس بها، وتلا هذه الآية {ومن يتولهم منكم فإنه منهم} اهـ
قال الألباني في السلسلة الضعيفة: "وإسناد هذا الموقوف صحيح ، وهو مما يؤكد ضعف المرفوع"
ويقصد بالمرفوع الحديث المتقدم في النهي عن ذبيحة نصارى العرب.
قال الباجي: "قوله في ذبائح نصارى العرب (لا بأس بها) أجراهم في ذلك مجرى نصارى العجم ؛ فإن ذبائح النصارى وغيرهم من أهل الكتاب مباحة لنا بقوله تعالى {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} فاعلم أن ذبائح نصارى العرب مباحة أيضا ، ولم يتعلق صلى الله عليه وسلم بقوله {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} إما أن هذه الآية لم تكن نزلت بعد، أو لأنها عامة يحتمل أن تكون عامة في جميع أهل الكتاب، ويحتمل أن تكون خاصة في العجم ، وإن كان الأظهر عمومها ، فأظهر التعلق بما هو خاص في العرب أو فيمن خوطب بهذه الآية وهم المنافقون وكانوا عربا ، ومقتضى الآية أنه من يتولى أهل الكتاب من العرب فإنه منهم ؛ لأن المتولي لأهل الكتاب المخاطبين بهذه الآية يجب أن يكونوا غير أهل الكتاب المتقدم ذكرهم من العجم ، فحكم تعالى بأنه منهم ، وذلك يوجب أن يكونوا من أهل الكتاب ، وذلك يقتضي أن يكون حكمهم حكم أهل الكتاب في الذبائح وغيرها ، فإذا كانت ذبائح أهل الكتاب من العجم مباحة فكذلك ذبائح أهل الكتاب من العرب ؛ لأن الأنساب لا تؤثر في ذلك وإنما تؤثر فيه الأديان" اهـ
قال ابن قدامة في المغني: "والصحيح إباحة ذبائح الجميع ; لعموم الآية فيهم" اهـ
والله أعلم.