عنوان الفتوى : حكم الاستفادة من الهندسة الوراثية والاستنساخ في الحيوان
لقد قررت أن أكون عالم تقنية حيوية ، إذ إنني أريد إنقاذ أرواح الناس ، والقيام بشيء كبير للإنسانية ، ولأكون دقيقًا، أنا أخطط لتعديل الكائنات الحية وراثيًا ؛ كي أتمكن من إنتاج الإنزيمات الصناعية في النطاق الاقتصادي ، والمستحضرات الصيدلانية البيولوجية ، وغيرها من المنتجات الصناعية المفيدة ، فالأمر كله يتعلق بالاستنساخ وإعادة تأليف تكنولوجيا الحمض النووي ، أعلم أن استنساخ البشر محرمٌ كليًا ، وأعتقد أن تغيير خلق الله (غير البشر) لفائدة واضحة يُعد حلالًا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أظهر موافقته الضمنية بإخصاء الحيوان الذي يُعد أيضًا تغييرًا لخلق الله ، على أي حال، هل هذا صحيح ؟ هل يمكنني فعل ما أود فعله؟
الحمد لله
أولا:
تقدم في جواب السؤال رقم : (103335) أنه يجوز استعمال الهندسة الوراثية في: "منع
المرض أو علاجه أو تخفيف أذاه ، سواء بالجراحة الجينية التي تبدل جينًا بجين ، أو
تولج جينًا في خلايا مريض ، وكذلك إيداع جين في كائن آخر للحصول على كميات كبيرة من
إفراز هذا الجين ؛ لاستعماله دواء لبعض الأمراض ، مع منع استخدام الهندسة الوراثية
على الخلايا الجنسية ، لما فيه من محاذير شرعية " .
ويمنع أيضا: "استخدام الهندسة الوراثية كسياسة ، لتبديل البنية الجينية في ما يسمى
بتحسين السلالة البشرية ، وأي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان ، أو التدخل في
أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا".
ثانيا:
أما استخدام الهندسة الوراثية بالنسبة للنبات والحيوان، فيجوز ذلك بشرط عدم الإضرار
بالبيئة ، وبالإنسان المتناول لهذه الأغذية.
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الاستنساخ: " يجوز شرعاً الأخذ بتقنيات
الاستنساخ والهندسة الوراثية في مجالات الجراثيم وسائر الأحياء الدقيقة والنبات
والحيوان ، في حدود الضوابط الشرعية ، بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد " انتهى.
وينظر نص القرار كاملا في جواب السؤال رقم : (21582) وفيه تأكيد تحريم الاستنساخ
البشري.
وجاء في قرار ندوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بعنوان : " الوراثة
والهندسة الوراثية والجينوم البشري والعلاج الجيني - رؤية إسلامية " وذلك بمشاركة
مجمع الفقه الإسلامي بجدة ، والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية ،
والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، وذلك في الفترة من 23 - 25 جمادى
الآخرة 1419هـ الذي يوافق 13 - 15 من شهر تشرين الأول - أكتوبر 1998م ما يلي:
" ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الهندسة الوراثية كسياسة لتبديل البنية الجينية
في ما يسمى بتحسين السلالة البشرية ، وأي محاولة للعبث الجيني بشخصية الإنسان ، أو
التدخل في أهليته للمسؤولية الفردية أمر محظور شرعًا...
ولا ترى الندوة حرجًا شرعيًّا باستخدام الهندسة الوراثية في حقل الزراعة ، وتربية
الحيوان ، ولكن الندوة لا تهمل الأصوات التي حذرت مؤخرًا من احتمالات حدوث أضرار
على المدى البعيد تضر بالإنسان أو الحيوان أو الزرع أو البيئة ، وترى أن على
الشركات والمصانع المنتجة للمواد الغذائية ذات المصدر الحيواني أو النباتي ، أن
تبين للجمهور ما يُعرض للبيع مما هو محضر بالهندسة الوراثية ليتم الشراء على بينة ،
كما توصي الندوة باليقظة العلمية التامة في رصد تلك النتائج ، والأخذ بتوصيات
وقرارات منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية ، ومنظمة الصحة العالمية ، ومنظمة
الأغذية العالمية في هذا الخصوص.
وتوصي الندوة بضرورة إنشاء مؤسسات لحماية المستهلك وتوعيته في الدول الإسلامية" .
انتهى من مجلة مجمع الفقه الإسلامي" عدد 11 مجلد 3 صفحة 533
وعليه : فلا حرج في الالتحاق بهذا التخصص العلمي، والاستفادة من الهندسة الوراثية
والاستنساخ، مع مراعاة الضوابط السابقة .
ثالثا:
خصاء الحيوانات كالأغنام والأبقار لا حرج فيه إذا كان لمصلحة ، كالرغبة في سمنها
وطيب لحمها ، وقد ضحى النبي بالخصي من الغنم ، كما روى أحمد (25843) ، وابن ماجه
(3122) عَنْ عَائِشَةَ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ اشْتَرَى
كَبْشَيْنِ عَظِيمَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ مَوْجُوءَيْنِ
"وصححه الألباني في "صحيح ابن ماجه."
والوجاء هو الخصاء ، كما قال الخطابي وغيره .
وينظر كلام الفقهاء في خصاء البهائم ، في جواب السؤال رقم : (95329).
ولا يقال إن تغيير خلق الله في الحيوان مباح بإطلاق، وإنما يباح منه ما فيه
مصلحة.
فقد قال تعالى عن إبليس: ( وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا
مَفْرُوضًا (118) وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ
فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ
اللَّهِ) النساء/118، 119 .
فكان من تغييرهم لخلق الله : قطع آذان البحيرة والسائمة.
قال القرطبي رحمه الله : "( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ
الْأَنْعَامِ) البتك القطع ، ومنه سيف باتك.
أي : أحملهم على قطع آذان البحيرة والسائبة ونحوه . يقال : بَتَكَه وبَتَّكه ،
"مخففا ومشددا " وفي يده بِتْكةٌ أي : قطعة ، والجمع بِتَك ، قال زهير :
طارت وفي كفه من ريشها بِتَكُ
الثانية : قوله تعالى : ( وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ ) :
اللامات كلها للقسم.
واختلف العلماء في هذا التغيير إلى ماذا يرجع ، فقالت طائفة : هو الخصاء وفقء
الأعين وقطع الآذان ، قال معناه ابن عباس وأنس وعكرمة وأبو صالح. وذلك كله تعذيب
للحيوان ، وتحريم وتحليل بالطغيان ، وقول بغير حجة ولا برهان. والآذان في الأنعام
جمال ومنفعة ، وكذلك غيرها من الأعضاء ، فلذلك رأى الشيطان أن يغير بها خلق الله
تعالى. وفي حديث عياض بن حمار المجاشعي : (وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وأن الشياطين
أتتهم فاجتالتهم عن دينهم فحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم
أنزل به سلطانا وأمرتهم أن يغيروا خلقي) . الحديث ، أخرجه القاضي إسماعيل ومسلم
أيضا...
الرابعة : وأما خصاء البهائم : فرخص فيه جماعة من أهل العلم ، إذا قصدت فيه المنفعة
، إما لسمن أو غيره.
والجمهور من العلماء وجماعتهم على أنه لا بأس أن يضحي بالخصي ، واستحسنه بعضهم إذا
كان أسمن من غيره.
ورخص في خصاء الخيل عمر بن عبدالعزيز. وخصى عروة بن الزبير بغلا له. ورخص مالك في
خصاء ذكور الغنم ، لأنه إنما يقصد به تطييب اللحم فيما يؤكل ، وتقوية الذكر إذا
انقطع أمله عن الأنثى" انتهى من "تفسير القرطبي" (5/389).
والله أعلم.