عنوان الفتوى : هل رجم عثمان امرأة ولدت بعد ستة أشهر
السلام عليكم ورحمة الله،شيخنا الجليل، أسأل الله لكم الفردوس بتكرمكم بالإجابة عن سؤالي، أحسن الله إليكم. ما مدى صحة قصة رجم عثمان بن عفان للمرأة التي ولدت بعد ستة أشهر من زواجها ؟ وكم أحب أن تكون ضعيفة، فقد ساءني رجم بريئة هكذا من طرف خليفة راشد.لقد أعياني البحث ولم أستطع أن أحكم بشيء بعد جمع الروايات، فلم أعرف إن كان هناك اضطراب، أو أن الأحاديث تشهد لبعضها، فعندي بعض العلم بمصطلح الحديث، لكن ليس بدرجة القدرة على الحكم على الأحاديث.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
اعلم أن هذه القصة قد اختلف فيها العلماء اختلافاً كثيراً، قال الإمام ابن عبد البر في التمهيد: قال أبو عمر: يختلف أهل المدينة في رواية هذه القصة، فمنهم من يرويها لعثمان مع علي كما رواها مالك وابن أبي ذئب، ومنهم من يرويها عن عثمان مع ابن عباس، وأما أهل البصرة فيروونها لعمر بن الخطاب مع علي بن أبي طالب.
وأكثر الروايات أن الثابت أن عثمان رضي الله عنه لم يرجمها، أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال: رفعت امرأة إلى عثمان رضي الله عنه ولدت لستة أشهر، فقال عثمان: إنها قد رفعت إليَّ امرأة ما أراها إلا جاءت بشر، فقال ابن عباس: إذا كملت الرضاعة كان الحمل ستة أشهر ؟ وقرأ: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف:15]،فدرأ عثمان عنها.
وهذه الرواية قال فيها حافظ المغرب الإمام ابن عبد البر : وهذا الإسناد لا مدفع فيه من رواية أهل المدينة. 7/492 .
وأخرج وكيع وعبد الرزاق وابن أبي حاتم عن فايد بن عباس قال: أتى عثمان بامرأة ولدت في ستة أشهر، فأمر برجمها، فقال ابن عباس: إنها إن تخاصمك بكتاب الله تخصمك، يقول الله: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]. ويقول الله في آية أخرى: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً فقد حملته ستة أشهر فهي ترضعه لكم حولين كاملين، فدعا بها عثمان فخلى سبيلها.
أما ما أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن بعجة بن عبد الله الجهني قال: تزوج رجل منَّا امرأة من جهينة، فولدت له تماماً لستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان بن عفان، فأمر برجمها، فبلغ ذلك عليّاً رضي الله عنه، فأتاه، فقال: ما تصنع ؟ قال: ولدت تماماً لستة أشهر، وهل يكون ذلك ؟ قال عليٍّ رضي الله عنه: أما سمعت الله تعالى يقول: وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً وقال: حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ فكم تجده بقي إلا ستة أشهر ؟ فقال عثمان رضي الله عنه: والله ما فطنت لهذا، عليَّ بالمرأة، فوجدوها قد فرغ منها . وكان من قولها لأختها: يا أخية لا تحزني فوالله ما كشف فرجي أحد قط غيره. قال: فشب الغلام بعد فاعترف الرجل به وكان أشبه الناس به. قال: فرأيت الرجل بعد يتساقط عضواً عضواً على فراشه.
وروى مالك أيضاً هذه القصة على هذا النحو بلاغاً، الموطأ كتاب: الحدود، باب: ما جاء في الرجم:
فالجواب عن هذه الرواية أنه على فرض صحتها، فليس في ذلك ما يقدح في عثمان رضي الله عنه، فهو قد اجتهد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد. متفق عليه.
وعثمان رضي الله عنه معذور، فإن الولادة لستة أشهر نادرة إلى الغاية، والأمور النادرة قد لا تخطر بالبال فأجرى رضي الله عنه ذلك على الأمر المعتاد المعروف في النساء.
وليس من شرط الخليفة الراشد ألا يخطئ في اجتهاده، بل وليس من شرطه العصمة من الذنوب كما يقوله أهل البدع، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 35/69 : وسائر أهل السنة والجماعة وأئمة الدين لا يعتقدون عصمة أحد من الصحابة ولا القرابة ولا السابقين ولا غيرهم، بل يجوز عندهم وقوع الذنوب منهم، والله تعالى يغفر لهم بالتوبة، ويرفع بها درجاتهم، ويغفر لهم بحسنات ماحية أو بغير ذلك من الأسباب، قال تعالى: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ [الزمر:33-35]. وهذا في الذنوب المحققة، وأما ما اجتهدوا فيه فتارة يصيبون وتارة يخطئون، فإذا اجتهدوا فأصابوا فلهم أجران، وإذا اجتهدوا وأخطئوا فلهم أجر على اجتهادهم، وخطؤهم مغفور لهم، وأهل الضلال يجعلون الخطأ والإثم متلازمين، فتارة يغلون فيهم ويقولون إنهم معصومون، وتارة يجفون عنهم ويقولون إنهم باغون بالخطأ، وأهل العلم والإيمان لا يعصمون ولا يؤثمون.
والله أعلم.