عنوان الفتوى : أحكام من كان يخاصم زوجته ويقول لها مرارا: أنت حرام علي، وأنت كأمي
أحسن الله إليكم. شيخ كبير مضى على زواجه أكثر من 50 سنة، يريد أن يعتمر، لكن يسأل قبل ذلك عن أنه في بدايات الحياة الزوجية كان كثير الخصام مع زوجته؛ ونظرا لحالة الغضب التي تنتابه، كان يقول لها: أنت حرام علي، وأنت كأمي، أو كأختي، وقد يصل به الحال أحيانا لليمين. ونظرا لجهله واصل معها الحياة، وله منها أبناء وبنات. يريد التوبة قبل العمرة. فماذا عليه أن يفعل وهل يعد هذا ظهارا؟ والأبناء الذين أنجبهم ما حكمهم؟ أفتونا مأجورين أثابكم الله تعالى.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يتقبل عمرة الشيخ وتوبته.
وفي خصوص ما سألت عنه: فأما قوله: (أنت حرام عليّ) : فقد أوضحنا ما يترتب عليه في فتاوى كثيرة، فراجع فيه فتوانا رقم:155201.
كما أن قوله: (أنت كأمي أو كأختي) هو من كنايات الظهار، فلا يقع به الظهار إلا إن نواه، ولكنه إن صدر بعد شجار فإنه يعتبر ظهارا على الراجح، كما بيناه في الفتوى رقم: 188809. وبيان كفارة الظهار في الفتوى رقم: 192
وأما يمين الطلاق: فإذا حصل فيه الحنث، وقع الطلاق، وهو مذهب الجمهور، وقيل هو يمين إن أراد الزجر والمنع، فإذا حصل فيه الحنث، وجبت عليه كفارة يمين على هذا القول. وينظر الخلاف في الفتويين: 19162، 11592. وبيان كفارة اليمين في الفتوى رقم: 2053.
وشدة الغضب لا تغير الحكم في كل ما تقدم ما دام الشخص في وعيه واختياره، كما بيناه في الفتوى رقم: 23251.
وإذا تكرر الطلاق ثلاثا فأكثر، فقد بانت منه الزوجة بينونة كبرى، فيجب التفريق بينهما، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وإن وقع الطلاق مرة أو مرتين، فإن راجعها في العدة، فهي زوجته، وإلا بانت بينونة صغرى، فيجب التفريق بينهما، ولا تحل له إلا بعقد ومهر جديدين.
وإن تكرر الظهار، فالجمهور على وجوب تكرار كفارة الظهار بعدد ما ظاهر منها، خلافا للحنابلة؛ وينظر الخلاف في الفتوى رقم: 172291، والفتوى رقم: 59996.
وإن تكررت الأيمان: فإن كان المحلوف عليه واحدا، تداخلت الكفارات، فتجزئ كفارة واحدة عن الجميع، وهو مذهب الجمهور؛ لما رواه عبد الرزاق والبيهقي وابن حزم بسند صحيح عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال: إذا أقسمت مرارا، فكفارة واحدة. اهـ. وتنظر الفتوى رقم: 139430.
وإن تعدد المحلوف عليه، تكررت الكفارات بعدده، وهو قول جماهير الفقهاء خلافا لمعتمد الحنابلة، فتجزئ عندهم كفارة واحدة؛ وللمزيد في تقرير الخلاف تنظر الفتوى رقم: 145587.
فإن لم يدر عدد مرات الطلاق أو الظهار، أو الأيمان تحرى الصواب، فإن أعجزه التحري لطول الزمان، بنى على اليقين وهو الأقل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إذا كانت عليك أيمان متعددة ولم تدر قدرها، فتحرى، وإذا شككت هل هي عشرة أو خمسة مثلا، فخذ بالأقل، خذ بخمسة؛ لأنها المتيقنة، وما زاد فهو مشكوك فيه، فلا يلزمك فيه الكفارة. اهـ.
وينظر في الشك في عدد الطلاق الفتوى رقم: 178035 ، والفتوى رقم: 44565 وما أحيل عليه فيها.
وأما الأبناء والبنات الذين أنجبهم هذا الشيخ، فهم أولاده، ونسبهم إليه صحيح ما دام يعتقد صحة النكاح، فما زال الفقهاء يثبتون النسب في النكاح المجمع على فساده إذا اعتقد الزوجان صحته إعذارا بالجهل.
جاء في الموسوعة الفقهية: وَيَتَّفِقُونَ كَذَلِكَ عَلَى وُجُوبِ الْعِدَّةِ، وَثُبُوتِ النَّسَبِ فِي النِّكَاحِ الْمُجْمَعِ عَلَى فَسَادِهِ بِالْوَطْءِ كَنِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ، وَزَوْجَةِ الْغَيْرِ، وَالْمَحَارِمِ إِذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ، بِأَنْ كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِالْحُرْمَةِ. انتهى.
وينظر كلام ابن تيمية في تقرير ذلك في الفتوى رقم: 50304.
والله أعلم.