عنوان الفتوى : هل يأثم الزوجان المتناشزان إن لم يتطلقا؟
قرأت عن كيفية الطرق التي يجب أن تتبعها الأسرة المسلمة إذا حدث بها نشوز من الرجل أو المرأة، فلو كان النشوز من الرجل فعليهم أن يصطلحا بأن تسقط الزوجة أيًّا من حقوقها لزوجها، أو يتقي الله هو فيها، ولا يبخل عليها بحقوقها، وأن يحسن لها، وإن لم تستطع أن تسقط أيًّا من حقوقها، وهو لم يستطع أن يحسن أو يتقي الله فيها، فلهم الطلاق، وبإذن الله سوف يغنيهم الله من سعته، وجاء ذلك في قول الله تعالى (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا...) إلى قوله تعالى: (وإن يتفرقا يغن الله كلًّا من سعته وكان الله واسعًا حكيمًا) وكذلك عن طريقة التعامل إذا كان النشوز من المرأة تجاه زوجها، فعليه أن يعظها، أو أن يهجرها في الفراش، أو أن يضربها ضربًا غير مبرح، وذلك في قوله تعالى (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا إن الله كان عليًا كبيرًا) وإن لم ينته نشوز المرأة فلزوجها أن يأتي بأحد من أهلها، وأحد من أهله، فإن لم يستطيعا الصلح فلهم الطلاق، وذلك في قوله تعالى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) ولكن
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اشتمل سؤالك على أربع مسائل:
الأولى: في علاج ذنب النشوز بالطلاق: فالطلاق يضع حدا للنشوز، وليس علاجًا لذنبه، بمعنى أن الحقوق المهدرة بسبب النشوز لا تسقط بالطلاق، فعلاج ذنب النشوز يكون بالتوبة، ومنها الاستحلال، والإبراء، كما في الحديث: مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ. رواه البخاري.
الثانية: في شمول الوعيد سؤال المرأة الخلع حالة الافتداء، والتنازل عن الحقوق، فهذا يكون حيث لم يكن لها عذر.
وأما إذا سألت الخلع أو الطلاق لعذر فلا يشملها الوعيد، قال الشوكاني - رحمه الله -: وَأَحَادِيثُ الْبَابِ قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الْخُلْعُ إذَا كَانَ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ، فَيُجْمَعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْقَاضِيَةِ بِالتَّحْرِيمِ بِحَمْلِهَا عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبَبٌ يَقْتَضِيهِ.
الثالثة: في شمول الوعد بإغناء الزوجين حالة الطلاق بسبب نشوز المرأة:
فهذا علمه إلى الله عز وجل بمقتضى حكمته، قال السعدي - رحمه الله -: {يُغْنِ اللَّهُ كُلا} من الزوجين {مِنْ سَعَتِهِ} أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل، فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله، وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله يرزقها زوجًا خيرًا منه، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا} أي: كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه، ولكنه مع ذلك {حَكِيمًا} أي: يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة، فإذا اقتضت حكمته منع بعض عباده من إحسانه، بسبب من العبد لا يستحق معه الإحسان، حرمه عدلا وحكمة.
الرابعة: في تأثيم الزوجين المتناشزين لترك الطلاق: فلا يلزم من التمادي في الزواج، وترك الطلاق تأثيم في حالة الشقاق، وإنما يكون الإثم على النشوز والظلم.
وأما الطلاق فله أحوال قد يكون فيها واجبًا، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون مباحًا، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون حرامًا، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 93203.
والله أعلم.