عنوان الفتوى : عدد الرضعات المحرمة ورضاع الكبير
كم عدد الرضعات التي تحرِّم الزواج وهل يشترط أن يكون في الصغر
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
هناك محرَّمات من النساء لا يجوز التزوج منهن، ومن أسباب التحريم الرضاع، كما قال تعالى فيمن حُرمن ( وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ) (سورة النساء : 23) وإذا كانت الآية قد نصت على تحريم الأم والأخت من الرضاعة، فإن الحديث الذي رواه البخاري ومسلم “يحرُمُ من الرضاع ما يحرم من النسب” يدخل محرمات أكثر بسبب الرضاع كالعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت وغيرهن.
قد ثبت في الحديث الذي رواه مسلم أنه “لا تحرِّم المصة ولا المصتان” وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها : كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يُحرمن ثم نُسخن بخمس معلومات فتوفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهن فيما يقرأ من القرآن .
ومهما يكن من خلاف الفقهاء في عدد الرضعات فإن الفتوى في مصر على مذهب الإمام الشافعي، وهو خمس رضعات، والشرط أن يكن معلومات متيقنات، والشك لا يبني عليه التحريم، وليس للرضعة مقدار معين كما رآه الشافعي، واشترط الفقهاء أن يكون الرضاع في مدة الحولين، وذلك لقوله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما رواه الترمذي وصححه ” لا تحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء وكان في الثدي قبل الفطام ” وقوله كما رواه الدارقطني بإسناد صحيح ” لا رضاع إلا فيما كان في الحَولين ” .
وجمهور الفقهاء على أن الرضاع بعد الحولين أو ما قاربهما لا يثبت التحريم، غير أن هناك جماعة من السلف والخلف قالوا : الرضاع يحرم ولو كان الذي رضع شيخًا كبيرًا، وحجتهم في ذلك حديث رواه مسلم عن سهلة بنت سهيل التي قالت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إني أرى في وجه أبي حذيفة وهو زوجها، من دخول سالم وهو حليفه، يعني يغار من دخول البيت ورؤيتها، فقال لها ” أرضعيه تحرُمي عليه ” فقالت وكيف أرضعه وهو رجل كبير ؟ فتبسم وقال ” قد علمت أنه كبير ” وظاهر هذا أن رضاع الكبير يثبت به التحريم، وعليها أن تتصرف في كيفية الرضاع، إما أن تحلب له اللبن ليشربه حتى لا يرى ولا يلمس شيئًا من جسمها، وإما أن يكون الرضاع المباشر من ثديها ضرورة والضرورات تبيح المحظورات .
وأكدت عائشة هذا الرأي لأم سلمة كما رواه مسلم، وفي رواية أبي داود أن عائشة كانت تأمر بنات إخوتها وبنات أخواتها أن يرضعن من أحبت هي أن يراها ويدخل عليها حتى لو كان كبيرًا، لتكون عائشة عمة الرضيع أو خالته، لكن سائر أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يوافقنها على هذا الرأي، ويرين كما يرى الجمهور أن الرضاع المحرم لا يكون إلا في الصغر، وقلن لعائشة : لعل مسألة سهيلة وسالم كانت رخصة خاصة ليست لسائر الناس .
والخلاصة : أن لكل من الرأيين دليله ووجهة نظره، وقد ارتضى الفقهاء أن إرضاع الكبير لا يحرم الزواج، فلتكن عليه الفتوى .
والله أعلم