عنوان الفتوى : هل تتزوج بعد زوجها الشهيد ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

استشهد زوجي ـ أسأل الله أن يتقبله ـ منذ عام تقريباً ، وأنا الآن في الحادية والعشرين ، وعندي أبناء، وأجد الوضع صعباً في ظل هذه الظروف الاقتصادية ، ومما زاد الأمر صعوبة هو الحجاب الذي لا أستطيع معه الحصول على عمل ، ولقد افتقدت زوجي في كثير من الأمور، ولكني أحتسبه عند الله وأسأله تعالى أن يلحقني به في أعالي الجنان ، لقد أحببته كثيراً ، ولا أظن أني مستعدة للزواج مرة أخرى، وأخشى إن تزوجت برجل آخر أن أحرم من مرافقته في الجنة، كما أني أخشى أن لا أقوم بمسؤوليتي نحو الزوج الجديد من خدمة وغيرها ، لقد أصبحت أشعر أني غير مستعدة لهذا الأمر ، فما رأيكم أنتم؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق


الحمد لله
هل تعرفين أنك تعيشين نفس الظروف التي عاشتها أم المؤمنين ، أم سلمة رضي الله عنها .
لقد هاجرت أم سلمة مع زوجها إلى الحبشة ، ثم عادت إلى مكة لتعد العدة إلى هجرة أخرى إلى المدينة ، وهاجرت فعلاً ، ولكن بعد أن تمزقت أسرتها لسنة كاملة : زوجها في المدينة ينتظرها على أحر الأشواق ، وابنها الصغير خطفه أهل زوجها ، وخطفوا معه قلبها .
وأما هي فكانت عند أهلها تشرب أدمعها كل يوم ، ولا ترتوي ، حتى آذن الله لها بالفرج ، فألان قلوب أهل زوجها فردوا لها طفلها الصغير ، وألان عشيرتها فسمحوا لها بالهجرة ، فركبت من وقتها ظهر الصحراء منفردة ، لولا أن قيض الله من يوصلها إلى المدينة .

لم تنته القصة بعدُ ، فما إن عاشت في كنف أهلها ، سنة ، ثم سنة ، حتى كانت في السنة الثالثة غزوة أحد ، جاء الموت من خلف الستار ؛ ليأخذ أمانة الله من يديها ، ويأذن بالفراق بعد الوفاق ، فاللهم رحماك بتلك الضعيفة ؛ حيث لا عشيرة ، فقد هجرتهم ، ولا مؤنس ، فقد مات الحبيب الأنيس ، ولا قرار ، فقد رحل الساعي الكادح .

لم يبق لديها مقدرة حتى على الاسترجاع في مصيبتها ؛ فمَنْ مثلُ زوجها الأسد الهصور ، المهاجر المضحي ، السابق إلى الخيرات ، السيد الكريم ، ثم المجاهد الشهيد ، حتى ترجو العزاء به ، أو الخلف فيه : " أَيُّ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ؟ أَوَّلُ بَيْتٍ هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ؟! .
لكن لم يكن بد من اتباع السنة ، فدعت بذلك الدعاء ، فلقد وعد النبي الداعي به ، في مصابه : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ ، فَيَقُولُ مَا أَمَرَهُ اللهُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ [البقرة: 156]، اللهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَأَخْلِفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا، إِلَّا أَخْلَفَ اللهُ لَهُ خَيْرًا مِنْهَ ) !! .
قالت أم سلمة رضي الله عنها :
( ثُمَّ إِنِّي قُلْتُهَا، فَأَخْلَفَ اللهُ لِي رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) !!
فجاءها من لم تحلم به ، جاءها سيد البشر، وخير الرجال ، وحبيب رب العالمين وخليله ، رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيا بشراها بعد الأحزان .

وأنت كذلك يا أمة الله ؛ ما زلت في سن صغيرة ، والحياة صعبة وقاسية ، ومن العسير جدا عليك أن تتحملي يبسها ، ومشقتها ، ولأواءها بمفردك ، لا سيما مع قلة المعين ، وفقر اليد ، وكثرة الفتن ، وتكاثر الشرور .
فالوصية لك أن تقولي هذا الدعاء ، وإذا جاءك الكفء الكريم ، فلا تترددي في قبوله ، وما يدريك لعله أن يكون خيراً من زوجك السابق ، رحمه الله .

نوصيك بذلك ، ونؤكد عليك فيه ؛ فأنت في حاجة إلى زوج يعينك وتعينيه على طاعة الله تعالى ، ويعفك ، وتعفينه عن الحرام ، ويعينك على تحمل أعباء الحياة ، وتربية الأولاد .
والزواج لمن هي في ظروفك متأكد جدا ، بل قد يكون واجبا عليك ، في وسط الفتن ، التي لا يكاد يأمنها الإنسان على نفسه .
فالبدار البدار ، يا أمة الله ؛ قبل أن يفوتك القطار ، وتمضي الأيام ، ولا يمكنك استدراك ما فات.
وانظري لمزيد الفائدة الفتوى رقم : (220841) .
والله أعلم .