عنوان الفتوى : هل يستحب ترك المحرم تحريم الذرائع عند وجود الحاجة ؟

مدة قراءة السؤال : دقيقة واحدة

ذكرتم لي في إحدى فتاويكم قاعدة "ما حرّم تحريم الوسائل يباح عند الحاجة " فهل يمكننا القول رغم الإباحة إلاّ أنّه يستحبّ ترك المحرم تحريم الوسائل رغم الحاجة الرّاجحة ؟ أم أنّ كلّ حالة بحسبها ، فمثلا قضيّتي هي وجود الإختلاط في كلّ الأماكن الدّراسية والعملية ، فهل إذا دخل المسلم إلى الجامعة أو أماكن العمل بنيّة إفادة المسلمين كتوفير المسلمين الصّالحين الأقوياء في المجتمع ، والّذين يحاولون جادّين إن شاء الله تخفيف الإختلاط من خلال قوّتهم ودعوتهم ، مع الإلتزام الجاد بالضّوابط من غضّ البصر وغيرها ، فهل يؤجر هنا المسلم أم يقال له يباح والأفضل الترك ؟

مدة قراءة الإجابة : 4 دقائق


الحمد لله
أولا:
ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى في القواعد الفقهية أن ما حرم لسد الذرائع فإنه يباح للحاجة , قال ابن القيم : " ما حُرِّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة ، كما أبيحت العرايا من ربا الفضل ، وكما أبيحت ذوات الأسباب من الصلاة بعد الفجر والعصر ، وكما أبيح النظر للخاطب والشاهد والطبيب والمعامل من جملة النظر المحرم ، وكذلك تحريم الذهب والحرير على الرجال ، حرم لسد ذريعة التشبيه بالنساء الملعون فاعله ، وأبيح منه ما تدعو إليه الحاجة ".
انتهى من " إعلام الموقعين" (2 / 161).
وقال الشيخ ابن عثيمين : " وما كان تحريمه تحريم وسيلة ، فإنه يجوز عند الحاجة ".
انتهى من " منظومة أصول الفقه " صـ 67.

ولا نستطيع أن نطرد القول بأن ترك فعل المحرم تحريم الذرائع مستحب مع وجود الحاجة الداعية لفعله , فهذا غير مستقيم بل قد يكون فعله هو المستحب أحيانا .
ومثال ذلك تحريم النظر إلى المرأة الأجنبية ، فإنه إنما حرم تحريم الوسائل ؛ لأنه قد يفضي إلى الفاحشة , ومع ذلك فإنه رخص في النظر إلى المخطوبة ، والأخذ بهذه الرخصة أرجح وأولى من ترك ذلك ؛ فيستحب النظر إلى المخطوبة ، مع أنها امرأة أجنبية , ولا يصح أن يقال : يستحب تركه ، فقد ورد الحديث الصحيح بالأمر بالنظر إلى المخطوبة , كما ورد في الفتوى رقم : (145678).
ثانيا:
سبق بيان تحريم الاختلاط والمفاسد المترتبة عليه في السؤال : (1200) ، وأن الواجب على المسلم اجتناب الدراسة والعمل في الأماكن المختلطة .
إلا أن البلاد التي ابتلي أهلها بوجود الاختلاط في غالب مجالات الحياة ، خاصة مراكز التعليم ، وأماكن العمل والوظائف ، بحيث صار من المشقة الكبيرة على المسلم أن ينأى بنفسه عنها ، يُرَّخص لهم ما لا يرخص لغيرهم ممن حفظهم الله من هذه الأمور , خصوصا إذا كان دخولهم إلى هذه الأماكن بهدف تحصيل علم نافع يعود بالمصالح على المسلمين ، أو تتعلق به مصلحة راجحة .
وهذا الترخيص مبناه على القاعدة الفقهية المذكورة آنفا وهي : أن ما حرم سداً للذريعة يباح للحاجة والمصلحة الراجحة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم ، إذا عارضتها حاجة راجحة : أُبيح المحرَّم" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/49) .
وقال: " ما كان من باب سد الذريعة : إنما يُنهى عنه إذا لم يُحتج إليه ، وأما مع الحاجة للمصلحة التي لا تحصل إلا به : فلا ينهى عنه " انتهى من " مجموع الفتاوى" (23/214).
وقد سبق بيان هذه المسألة بالتفصيل وذكر أقوال أهل العلم في الفتوى رقم: (127946).

والله أعلم.